8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

جديد السياسة الأميركية تجاه لبنان...

هناك هذه الايام وعي واضح في واشنطن لخطورة ما يتعرض له لبنان بهدف الحاقه بالمحور الايراني ـ السوري. وهناك ما هو أهم من ذلك. هناك استيعاب لمدى خطورة هذا المحور على الاستقرار في المنطقة وضرورة تخليص لبنان من مخالبه والسماح للبنانيين بالعيش في ظل نظامهم الديموقراطي بعيدا من أي نوع من أنواع الضغط والتهديد.
وفي كل يوم يمر، يتبين أن اللبنانيين الذين وضعوا أزمة بلدهم في الاطار الاقليمي كانوا على حق في تحليلهم وأن الخِيار المطروح منذ البداية يتلخص بأن يكون لبنان "ساحة" يستخدمها النظامان السوري والايراني أو أن يكون وطنا لابنائه، لجميع أبنائه من دون استثناء يعيشون فيه بعيدا من التفكير الشمولي المتخلف الذي يريد فرضه عليهم النظام السوري أو النظام الايراني المتخلف الذي يسعى الى تغيير طبيعة المجتمع اللبناني عن طريق السلاح والصواريخ والتعبئة التي يمارسها "حزب الله" لإبقاء الطائفة الشيعية الكريمة رهينة لديه.
ليس عيبا الاستعانة بالولايات المتحدة الاميركية من أجل التصدي للمشروع الايراني الذي هو المشروع الوحيد الذي يمتلك معالم واضحة في المنطقة. لا خيار أمام اللبنانيين الاحرار سوى الاستعانة بالمجتمع الدولي، بما في ذلك القوة العظمى الوحيدة في العالم لمنع عملية وضع اليد على بلدهم مجددا بحُجة واهية هي التصدي لاسرائيل. من يريد التصدي لاسرائيل لا يوفر لها ذريعة لشن حرب تدميرية كما حصل صيف 2006. من يريد التصدي لاسرائيل لا يفعل كل شيء من أجل تهجير اللبنانيين من بلدهم. من يريد التصدي لاسرائيل لا يحتل وسط بيروت ويقيم مخيما للبؤس والبؤساء لا هدف له في نهاية المطاف سوى إفقار لبنان واللبنانيين ومنعهم من الاستفادة من الفورة النفطية التي تشهدها المنطقة منذ نحو عامين. من يريد التصدي بالفعل لدولة عنصرية هي إسرائيل لا يقبل أن يكون على الارض اللبنانية وعلى أي أرض عربية حزب مذهبي تابع لايران من النوع الذي لا يخدم سوى الاهداف الاسرائيلية البعيدة المدى المتمثلة بإثارة كل أنواع الغرائز التي تؤدي الى تفتيت المنطقة والتخلص من كل ما هو عربي فيها.
في حال كان لا بد من الحديث عن جديد السياسة الاميركية تجاه لبنان، يمكن القول إن كبار المسؤولين في الادارة الاميركية بدأوا يعون مدى خطورة الوضع اللبناني من الزاوية الاقليمية وليس الزاوية الداخلية البحتة. وبكلام أوضح، هناك كلام صريح في واشنطن عن الخطر الذي يمثله المشروع الايراني على لبنان، وذلك في إطار خطورة هذا المشروع على الاستقرار في المنطقة كلها. في المقابل، لا تزال هناك تساؤلات لدى بعض السذج عن مدى ارتباط السوري بالايراني، مع أن كثيرين في واشنطن بدأوا يدركون ما يعرفه اللبنانيون منذ فترة طويلة عن وضع يد إيرانية كاملة على القرار السوري وأن الوجود الامني السوري في لبنان صار معتمدا على "حزب الله" وعلى التسهيلات التي يقدمها للسوريين لا أكثر ولا أقل.
ثمة تغيير نحو الافضل في الموقف الاميركي من لبنان. سيتبين في الايام القريبة ما إذا كان هذا التغيير كافيا لمساعدة الوطن الصغير في التصدي للهجمة الايرانية ـ السورية التي تستهدف وضعه تحت الوصاية مجددا واستخدامه في ممارسة سياسة الابتزاز التي تستهدف إدخاله في أي صفقة إيرانية أو سورية مع "الشيطان الاكبر" الاميركي و"الشيطان الاصغر" الاسرائيلي.
من صنع هذا التغيير الشهداء الذين اغتالتهم آلة القتل السورية التي لا تعرف لغة أخرى في التعاطي مع الاحرار سوى لغة الرصاص والتفجيرات. من صنع هذا التغيير أيضا رجال يمتلكون ما يكفي من الشجاعة لتسمية الاشياء بأسمائها كما فعل سعد الحريري ووليد جنبلاط في واشنطن ونيويورك. صحيح أن هاجس العراق، حيث ارتكبت الادارة الاميركية كل الاخطاء الممكنة في أقصر وقت ممكن محطمة كل الارقام القياسية في هذا المضمار، يهيمن على تفكير المسؤولين في واشنطن، لكن الصحيح أيضا أن لبنان فرض نفسه في واشنطن وفي أروقة الامم المتحدة بفضل شجاعة أبنائه المؤمنين بثورة الارز التي اخرجت الجيش السوري من لبنان وكشفت حقيقة النظام في دمشق. إنه نظام غير قادر على التخلص من عقدة لبنان واللبنانيين ولا يمتلك وسيلة للتعامل مع الشرفاء سوى الارهاب.
من واشنطن، تبدو أميركا على استعداد لمساعدة لبنان لسبب في غاية البساطة هو أن اللبنانيين صمدوا وقرروا مساعدة أنفسهم أولا. فرض اللبنانيون نفسهم على العالم على الرغم من الهجمة الشرسة التي يتعرضون لها وعلى الرغم من رفضهم اللجوء الى العنف في أي شكل من الاشكال. هناك في واشنطن من لا يزال متفاجئا بصمود حكومة فؤاد السنيورة. هؤلاء المتفاجئون بدأوا يعيدون حساباتهم ويغيرون نظرتهم الى لبنان واللبنانيين من منطلق أن هناك بالفعل قيادات استثنائية في لبنان وأن البلد الصغير يستأهل الحياة وليس أن يكون مجرد "ساحة" يمارس فيها النظامان الايراني والسوري هوايتهم المفضلة التي اسمها الابتزاز.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00