من يهدد بنتائج خطيرة على لبنان واللبنانيين في حال انتخاب رئيس بالنصف زائد واحدا أنما يؤمن بنظرية أن لبنان ملعب أو ساحة وليس لاعبا في المعادلة الأقليمية. المطلوب بكل بساطة أن يعود لبنان تحت الوصاية السورية، تماما كما كانت عليه الحال بين العامين 1976 و2005 بناء على أوامر هنري كيسينجر وزير الخارجية الأميركي في عهد ريتشارد نيكسون الذي أعطى الضوء الأخضر للدخول العسكري السوري الى لبنان من أجل أن تضع دمشق يدها على القوات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في الوطن الصغير. كان الرئيس حافظ الأسد عبقريا بالفعل عندما أرسل القوات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية الى لبنان مطلع السبعينات من القرن الماضي وعندما تبرّع بعد ذلك بالتحول الى حامي لبنان، من الارتكابات الفلسطينية. انها لعبة قديمة ذات طابع كلاسيكي يحاول بشّار الأسد، نجل الرئيس السوري الراحل، تكرارها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين متناسيا أن من أدخل القوات السورية الى لبنان في العام 1976 أخرجها منه في العام 2005.
دخل السوريون بضوء أخضر أميركي وخرجوا عندما أمر الأميركيون بخروجهم. كل ما تبقى تفاصيل. كان الفلسطينيون ضحايا لعبة أكبر منهم لم يفهموا منها شيئاً في حينه، والمهم أن يفهموا اليوم وأن يستفيدوا من أخطاء الماضي في حال كان ذلك ممكناً.
يفترض في اللبنانيين الشرفاء وألأحرار فعلاً، ألا يخافوا النظام السوري وأدواته، التي هي في الواقع أمتداد للمحور الإيراني ـ السوري، وألا ينصاعوا لما يصدر عن أدوات الأدوات من ميشال عون الى وئاب وهّام أو أن ينخدعوا بمثل هذه النماذج شبه البشرية. أنها أدوات لأدوات لا تدرك أن من أدخل النظام السوري الى لبنان هو ذاته من أخرجه منه، عندما لم تعد حاجة اليه لخدمة إسرائيل ولا أحد آخر غير إسرائيل. أنتهت المهمة عندما لم تعد هناك حاجة إسرائيلية للنظام السوري في لبنان. كان أغتيال رفيق الحريري المهمة ألأخيرة التي يستطيع النظام السوري تأديتها لإسرائيل في لبنان بعدما نجح الرجل الأستثنائي في إعادة لبنان الى الخريطة الأقليمية والدولية. كان مطلوبا الا يكون هناك إنماء أو بناء أو إعمار في لبنان. كان مطلوباً أن يكون لبنان متخلفاً على كل الصعد وان يبقى أسير النظام السوري الذي ليس ما لديه يصدّره سوى بضاعتي الارهاب والابتزاز ولا شيء غير ذلك. من لديه فكرة عن بضاعة أخرى غير هاتين البضاعتين، اللتين صارتا ماركة مسجلة للنظام وليس للشعب السوري الشقيق بكل تأكيد، يستطيع أن يطرحها، لعل ذلك يساعد الرئيس السوري في إقناع المجتمع الدولي بأنه يسعى الى خدمة الاستقرار في المنطقة...
من أجل سوريا ولبنان. ومن أجل السوريين واللبنانيين، يبدو من الواجب تذكير النظام السوري بالظروف التي دخل فيها الى لبنان والأسباب التي دعت هنري كيسينجر الى السماح له بذلك. كلّ ما في الأمر أن كيسينجر وجد أواخر العام 1975 وبداية العام 1976 من القرن الماضي أن مصلحة الولايات المتحدة ومصلحة إسرائيل تقضيان بعدم تحول الحرب الدائرة في لبنان ألى حرب ذات طابع أقليمي. لذلك أتخذ قراره بأن يدخل الجيش السوري الى لبنان بهدف واضح كل الوضوح هو 7-7-السيطرة على الفلسطينيين7-7-. كان مطلوباً في الأساس، على حد تعبير ديبلوماسي أميركي رافق دين براون، مبعوث الادارة الى لبنان، في أواخر العام 1975 أن يجد وزير الخارجية الأميركي فسحة من الوقت للتفكير في كيفية أحتواء الأزمة الجديدة في لبنان التي كان يعتبرها في البداية مجرد أزمة "محلية". وتوصل كيسينجر في نهاية المطاف الى ضرورة الوجود العسكري السوري في لبنان، على كل الأراضي اللبنانية، الى أن أعترض الإسرائيليون على ذلك ووضعوا ما سمّي وقتذاك "الخطوط الحمر". كانت حجة الإسرائيليين أنهم يفضلون إبقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة "نظرا لحاجتهم الى الاشتباك مع الفلسطينيين بين وقت وآخر"، حسب ما يقوله الديبلوماسي الأميركي الذي سجل محاضر لقاءات دين براون في لبنان والحوارات بين كيسينجر وبراون في تلك المرحلة.
من يرفض حاليا انتخاب رئيس للبنان في ظروف طبيعية، ظروف تفرض أن يحضر جميع النواب جلسة الانتخاب، على أن يفوز من يحصل على الأكثرية، انما يسعون الى إعادة لبنان ألى الوصاية. هؤلاء يريدون خلق فراغ لا يستفيد منه سوى النظام السوري وأولياء نعمته في طهران الساعين الى عقد صفقات مع إسرائيل. من هذا المنطلق، يبدو انتخاب رئيس لبناني للبنان أكثر من واجب. مثل هذا الرئيس سيوجه رسالة الى العالم ان لبنان يستأهل الحياة وأن التضحيات الغالية التي قدمها اللبنانيون الشرفاء كانت في سبيل هدف سام ذي علاقة بكل ما هو حضاري، أي في أن يكون لبنان كما يفترض أن يكون رمزاً للعيش المشترك بين طوائف مختلفة في ظلّ نظام ديموقراطي أبعد ما يكون عن الأنظمة الفئوية التي تقمع شعوبها بحجة أنها تواجه إسرائيل في حين أنها تفعل كل ما يمكن أن يخدم مصالحها. هذه الأنظمة التي تعتقد أن الناس تصدق الشعارات التي تطلقها من نوع شعار "الممانعة" وهو شعار صُنع خصيصاً لخدمة إسرائيل. أن ينتخب لبنان رئيساً بالأكثرية دليل على وعي لطبيعة التحديات التي يواجهها لا أكثر ولا أقل... وهي تحديات في مستوى أن يكون أو لايكون!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.