8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

المؤتمر الدولي والعقدة الأميركية

من المهم أن ينجح المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس بوش الابن في النصف الثاني من تشرين الثاني المقبل، في واشنطن أو بالقرب منها، لمحاولة وضع أسس لتسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل. هناك مصلحة عربية في نجاح المؤتمر. ولذلك من الضروري تحلي العرب بالجرأة من أجل إثبات أنهم قادرون على تحمل مسؤولياتهم وأن في استطاعتهم مواجهة جبهة التطرف التي أقامت حلفاً غير مقدّس يمتد من طهران إلى غزة مروراً بدمشق ويشمل بين ما يشمل أطرافا تبدو في الظاهر معادية لإسرائيل لكنها تنفذ عمليا كل ما يخدم الاحتلال واستمراره. والمعني بهذه الأطراف أولئك الذين دعوا إلى مؤتمر في العاصمة السورية لمواجهة المؤتمر الذي دعت إليه الإدارة الأميركية. وعلى رأس هؤلاء تأتي بالطبع حركة مثل "حماس" أو تنظيما تابعا مباشرة للنظام الايراني مثل "الجهاد الاسلامي"، على غرار "حزب الله" في لبنان.
لماذا هناك مصلحة عربية في دعم المؤتمر الذي دعت إليه إدارة بوش الابن، على الرغم من أن نتائجه غير مضمونة؟ الجواب أن ذلك عائد إلى أن العرب في حاجة إلى الاستقرار وأن التسوية بين الفلسطينيين والأسرائيليين تخدم الاستقرار بما يسمح بالتوقف عن المتاجرة بالفلسطينيين واستخدامهم وقودا في نزاعات ذات طابع اقليمي عادت عليهم بالمآسي ولا شيء آخر غير المآسي. حصل ذلك في الماضي في الأردن وفي لبنان. ويحصل حاليا على أرض فلسطين ذاتها بعدما قبل قسم من الفلسطينيين أن يكون في خدمة المحور الايراني ـ السوري، وبالتالي في خدمة الاحتلال الإسرائيلي من حيث يدري أو لا يدري. والأرجح أنه يدري. ولكن ما العمل مع حركة مثل "حماس" نذرت نفسها لخدمة حال اللاحرب واللاسلم التي تخدم الاحتلال الإسرائيلي نظرا إلى أنها تسمح له بتكريس واقع جديد على الأرض؟ ما العمل مع حركة ترفض أن تأخذ في الاعتبار أن النضال السياسي الذي رافق النضال المسلح هو الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة وهو الذي سمح بأن يكون لمنظمة التحرير مكاتب تمثيلية وحتى سفارات في مختلف أنحاء العالم بما في ذلك العواصم الكبرى. ان النضال السياسي الذي أستثمر النضال المسلح وبنى عليه، مكّن الراحل ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، من دخول البيت الأبيض وأن يكون السياسي الأكثر ترددا عليه في العام 2000.
لا شك أن "أبو عمار" ارتكب أخطاء كبيرة في حق الأردن ولبنان والكويت في مرحلة ما، كما لم يحسن التصرّف في مرحلة ما بعد قمة كمب دافيد صيف العام 2000 وفي المرحلة التي تلت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001. لكنّ ما لا يمكن تجاهله أنه أوصل القضية إلى أبواب القدس. القضية الفلسطينية تطرق أبواب القدس يومياً بفضل النضال السياسي الذي بُني خصوصا على انجازات الانتفاضة الأولى التي لم تكن مسلحة، تلك الانتفاضة التي أوصلت إلى اتفاق أوسلو الذي مكن عرفات من أن يكون أول زعيم في تاريخ الشعب الفلسطيني يستعيد أرضا... ولو لفترة ما!
ليس كافيا أن يكون المؤتمر أميركياً حتى يصير سيئاً. هناك سياسات أميركية تقود إلى ما هو أسوأ من الكوارث، بدليل ما حصل في العراق. وهناك سياسات أميركية لا يمكن إلا دعمها كما الحال مع المؤتمر الدولي. لا يمكن إلا دعم هذا المؤتمر من المنظور العربي الصرف البعيد عن حسابات الأنظمة المعتادة على استخدام الفلسطينيين من أجل الابتزاز ليس الاَ. لا يمكن الا دعم المؤتمر نظرا إلى أن لا بديل منه سوى استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه. هل هناك أسوأ من هذا الوضع الذي تحولت فيه غزة إلى "امارة إسلامية" تحكمها "حماس" على طريقة "طالبان". تحول القطاع إلى سجن كبير لمليون ونصف مليون فلسطيني محاصرين من كل الجهات، سجن تتباهى به "حماس" من منطلق أنها استطاعت دمج الميليشيا التابعة لها، أي القوة التنفيذية، بالأجهزة الأمنية أو على الأصح بما بقي منها كي تتحكم برقاب المواطنين بطريقة أفضل.
يكفي المؤتمر الدولي أنه يوفر أفقاً سياسياً للشعب الفلسطيني من أجل أن يستأهل دعماً عربياً حقيقياً. يفترض في الدعم العربي أن يركز على المساعدة في أن تكون أهداف المؤتمر واضحة كل الوضوح مع جدول زمني محدد لاقامة الدولة الفلسطينية استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية على رأسها القرارات 242 و338 و1397 و1515 والتي تقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة عاصمتها القدس الشريف مع إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين. مثل هذا الحل العادل لا بد أن يحظى بدعم عربي حقيقي بعيدا عن مزايدات من النوع الذي يمارسه يتامى النظام الأمني السوري في لبنان، أولئك الذين يدعو كلامهم عن التوطين إلى الضحك والبكاء في الوقت ذاته...
سيكون المؤتمر الدولي معركة سياسية أخرى للفلسطينيين الساعين إلى التخلص من الاحتلال. أنهم في حاجة إلى دعم عربي حقيقي يساعدهم في اتخاذ قرارات شجاعة من دون عقد، بما في ذلك عقدة أن المؤتمر أميركي. صحيح أنها معركة صعبة مع عدو يراهن على انقساماتهم وعلى عدم قدرتهم على أن يكونوا واقعيين وأن يكونوا أسرى شعارات يطلقها الذين يتاجرون بهم، لكن الصحيح أيضا أن ما يفترض ألا يغيب عن بالهم في أي وقت أن كل طرف في المنطقة يعمل ما يخدم مصلحته. ألم تدعم ايران الأميركيين في احتلالهم للعراق، ألم تدعم كل خطوة للاحتلال الأميركي بدءاً بقرار حل الجيش وانتهاء بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي على أسس طائفية ومذهبية وقومية؟ أليست هذه ايران نفسها التي تحتفل بـ"يوم القدس" للمزايدة على الفلسطينيين والعرب، فيما لا تجد عيبا في أن تدخل في تحالف عضوي مع الأميركيين عندما يكون ذلك في مصلحتها كما حصل في أفغانستان والعراق؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00