8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الفارق بين رجل الدولة.. وزعيم الميليشيا!

مَن يسمع السيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله"، زعيم الميليشيا الإيرانية ذات العناصر اللبنانية يتحدث عن الدستور والأصول الدستورية في لبنان يتأكد له أن ثمة فارقاً كبيراً بين زعيم الميليشيا ورجل الدولة.
ورجل الدولة هنا هو الرئيس فؤاد السنيورة الذي ردّ على خطاب نصرالله واضعاً إياه في مكانه الصحيح. والمكان الصحيح هو أن كل ما يفعله "حزب الله" ممثلاً بأمينه العام هو حماية القاتل. إنه يحمي قاتل رفيق الحريري وقاتل باسل فليحان والذين نفذوا قبل ذلك محاولة اغتيال مروان حمادة. آن أوان تسمية الأشياء بأسمائها، أي الاعتراف بأن لعبة "حزب الله" لم تعد تنطلي على أحد حتى لو استأجر واجهة مسيحية لتغطيتها في مستوى النائب ميشال عون أو واجهة درزية في مستوى وئام وهاب الذي يتساوى مع عون في كل شيء، بما في ذلك النبرة التهديدية الموجهة إلى اللبنانيين الشرفاء، كما يتساوى معه خصوصاً في تغطية الجرائم.
لا تفسير آخر للهجة التي استخدمها حسن نصرالله في خطابه الأخير سوى الحقد الذي يكنّه للبنان واللبنانيين هو والذين يدفعون به إلى تعطيل الحياة السياسية في لبنان. إنه حقد دفين عند أولئك الذين لا يعرفون معنى الحياة التي هي هبة من الله والذين لا يؤمنون سوى بلبنان "الساحة"، لبنان الذي يجب أن يكون، من وجهة نظرهم، وسيلة يستخدمها المحور الإيراني ـ السوري من أجل ابتزاز العرب والمجتمع الدولي بما في ذلك أميركا وإسرائيل بغية تحسين شروط التفاوض معهما.. على حساب لبنان واللبنانيين. ما حاول السنيورة إفهامه لنصرالله في ردّه عليه، من دون تسميته، أن هذه اللعبة صارت مكشوفة وأن لبنان صامد في وجه الابتزاز والذين لا يعرفون شيئاً في السياسة غير الابتزاز. على رأس هؤلاء النظام السوري الذي يعتقد أن مجرد أن يقول له الأميركي عبارة صباح الخير، معنى ذلك أنها دعوة إلى الفراش.. وإلى صفقة جديدة على حساب لبنان كما حصل في العامين 1976 أو 1990.
لا يمكن لوم النظام السوري على طريقة تصرفه في لبنان. كل ما في الأمر أن بشار الأسد يحاول القراءة من كتاب قديم تجاوزه الزمن تركه له والده. عندما خلف الابن الأب في السلطة اعتقد أن عليه إظهار أنه قادر على زرع الرعب في صفوف السياسيين اللبنانيين على غرار ما فعل الوالد. اختار بشار التخلص من رفيق الحريري، تماماً مثلما اختار والده في العام 1977 الانتهاء من كمال جنبلاط ثم من كل مَن تسول له نفسه الوقوف في وجه الهيمنة السورية الكاملة على لبنان. من بين الضحايا الرئيس بشير الجميّل والمفتي حسن خالد والرئيس رينيه معوّض وعشرات، بل مئات اللبنانيين الذين امتلكوا حدّاً أدنى من الشجاعة للقول إن هناك شيئاً اسمه لبنان. نجح حافظ الأسد موقتاً في سياسة الترويع التي اتبعها نظراً إلى أن الأميركيين كانوا على استعداد لغض النظر عن ممارساته ما دامت هذه الممارسات على حساب العرب عموماً واللبنانيين خصوصاً. ما همّ الأميركي عندما يكون هناك عربي يضعف المصري أو الأردني أو الفلسطيني في خلال المفاوضات مع إسرائيل؟ سيصفق الأميركي ومعه الإسرائيلي لمَن يمارس هذا الدور الذي نذر النظام السوري نفسه من أجله غير مدرك أن لكل شيء نهاية، بما في ذلك الأدوار التي تعجب الأميركيين والإسرائيليين في مرحلة ما..
في منتصف السبعينات سمحت الإدارة الأميركية ممثلة بهنري كيسنجر للنظام السوري بدخول لبنان عسكرياً من أجل وضع اليد على منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها التي دخلت الأراضي اللبنانية بتسهيل سوري. حسب حافظ الأسد نفسه عبقرياً عندما استخدم الفلسطينيين لزرع الفوضى في لبنان ثم وجد أن أميركا مضطرة إلى الاستعانة به لضبطهم! وفي العام 1990، جدّد الرئيس الراحل الاعتماد المعطى له أميركياً عندما انضم إلى التحالف الدولي الذي تولى تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، فقاتل جيشه إلى جانب الجيش الأميركي. كان لا بد وقتذاك، من التخلص من ساذج يدعى ميشال عون لا علاقة له من قريب أو من بعيد بالفهم والسياسة، احتل قصر بعبدا رافضاً الرضوخ لاتفاق الطائف الذي هو تعبير عن إرادة المجتمعين العربي والدولي أكثر من أي شيء آخر. فحصل ذلك بواسطة السوري الذي كان المستفيد الأول من تمرّد عون على الشرعية.
منذ العام 2000، وبعدما خلف بشار الأسد والده، ثمة انطباع بأن الرجل لا يريد استيعاب أن العالم تغيّر وأن المنطقة تغيّرت وأن "حزب الله" ليس سوى ميليشيا من وجهة النظر الدولية. حمى اللبنانيون "حزب الله" عندما كان مقاومة، ولكن بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في سنة 2000، لم يعد مبرّر لوجود ميليشيا على الأرض اللبنانية بحجّة المقاومة على الرغم من افتعال قضية مزارع شبعا، هناك رغبة لدى المجتمع الدولي في استعادة لبنان. مشكلة "حزب الله" أنه لا يريد أن يفهم ذلك ومشكلة النظام السوري تكمن في أنه يراهن على "حزب الله" وأدواته المستأجرة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00