8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تقسيم للعراق .. أم تفتيت له؟

بات مطروحا أمام مجلس الشيوخ الاميركي، حيث أكثرية ديموقراطية، قرار غير ملزم لادارة الرئيس بوش الابن يدعو الى تقسيم العراق. يقف وراء القرار السناتور الديموقراطي ذو النفوذ جوزف بيدن. والقرار ثمرة دراسة أعدها السناتور بيدن مع ليزلي غلب الذي كان الى ما قبل فترة قصيرة رئيس مجلس العلاقات الخارجية الذي يعتبر من أبرز المراكز المساهمة في صنع القرار الاميركي من خارج المؤسسات الرسمية. وسبق لليزلي غلب أن عمل مع ادارة الرئيس كارتر قبل انتقاله الى مؤسسات للدراسات كان مجلس العلاقات الخارجية من بينها.
قبل طرح القرار على مجلس الشيوخ حيث هناك تأييد له من عدد لا بأس به من الاعضاء بما في ذلك أعضاء من الحزب الجمهوري، كتب بيدن وغلب سلسلة مقالات في الصحف الاميركية يشرحان فيها الاسباب التي تفرض على القوة العظمى السعي الى تقسيم العراق. في مقدم الاسباب أن التقسيم يعتبر من وجهة نظرهما الوسيلة الوحيدة لخفض درجة العنف بين العراقيين من مختلف المذاهب والطوائف والقوميات. وهذا يعني أن في استطاعة الادارة الاعلان لاحقا، أي مع المباشرة في التقسيم، عن بدء سحب القوات الاميركية، في حين أن بقاء البلد موحدا سيزيد العنف ومعه التورط العسكري الاميركي في هذا البلد... على غرار ما حصل في فيتنام!
في معرض دفاعه عن فكرة التقسيم، يرى السناتور بيدن أن منتقدي الفكرة يكتفون بالقول انها لا تعجبهم بينما السؤال الذي يفترض طرحه "هل لديهم أفكار أخرى؟"، أي هل لديهم بدائل من التقسيم؟ بالطبع ليس لدى الاخرين بدائل من التقسيم باستثناء ما تقوم به الادارة حاليا من عمليات عسكرية في مناطق محددة بحجة القضاء على جيوب متمردة ومتابعة "الحرب على الارهاب". في المقابل، تشير المعلومات التي يخرج بها عراقيون محترمون غادروا البلد حديثا الى أنه لم يطرأ تغيير يذكر على الوضع الامني. كل ما في الامر أن الميليشيات التابعة للاحزاب الشيعية الكبيرة تتابع نشاطها المعتاد مع فارق أنه صار هناك تنافس أكبر في ما بينها على اقتسام كل أنواع الغنائم. وفي الوقت ذاته، تمارس عناصر ارهابية من "القاعدة" وما شابهها نشاطها الارهابي مستهدفة خصوصاً الابرياء زارعة الخوف والهلع في صفوف الامنين خصوصاً. الفارق الوحيد هنا أن هناك تململا في صفوف العشائر السنية العربية من عناصر "القاعدة". لكن ذلك ليس كافيا للقول ان تغييرا حقيقيا وفي العمق حصل في المناطق التي فيها أكثرية من السنة العرب، أي في ما يسمّى المثلث السنّي. مثل هذا التغيير الفعلي لا يمكن أن يحصل خارج أطار مصالحة وطنية شاملة ليست واردة في ظل حكومة برئاسة عدنان المالكي نظرا الى أن الذين يتحكمون بمراكز القرار الان هم من ذوي التفكير الضيق الذي تفرضه اعتبارات مذهبية من جهة والولاء للخارج، خصوصا لايران من جهة أخرى.
كل ما تفعله ادارة بوش الابن في العراق هو شراء الوقت لا أكثر وذلك في انتظار اليوم الذي تعترف فيه صراحة بأنها فككت العراق ولم تعد قادرة على اعادة تركيبه. والواقع أن ما يشهده العراق حاليا أسوأ من التقسيم نظرا الى غياب الخطوط الواضحة التي يمكن تقسيم البلد بموجبها. ما يشهده العراق على الارض هو حرب أهلية بكل معنى الكلمة وعمليات تنظيف لمناطق معينة من سكانها على أساس الانتماء المذهبي. وفي حال كان المطلوب أن يكون المرء أكثر دقة يمكن اختصار الوضع بأنه معركة بغداد. نعم، انها معركة السيطرة على بغداد تخوضها ميليشيات شيعية تقتحم الاحياء ذات الغالبية السنية وعناصر ارهابية تنتمي الى تنظيمات سنية متطرفة تتولى تهجير الشيعة من مناطق معينة. وفوق ذلك كلّه، والمعلومات مستقاة من عراقيين مقيمين في لندن يمتلكون عقارات في أفخم الاحياء البغدادية، هناك أحزاب مذهبية تشتري كل ما تقع عينها عليه من أراض وبيوت بأسعار "عادلة" تفرضها على المالكين الذين لديهم توجهات وطنية، أي غير مذهبية أكانوا من السنّة أو الشيعة...
هل العراق قابل للتقسيم؟ الارجح أنه قابل للتفتيت. السباق القائم هو بين التقسيم والتفتيت. وهذا ما نشاهده اليوم بالعين المجردة في ضوء فشل المخطط الاميركي الاصلي الهادف الى تحويله "نموذجا" للديموقراطية والتعددية السياسية في منطقة يتبين يوميا أن ادارة بوش الابن لا تعرف شيئا عنها. هل من دليل على ذلك أكثر من الدهشة التي يبديها المسؤولون في واشنطن بسبب خروج ايران منتصرة من حربهم على العراق؟ هل من دليل على ذلك أكثر من عدم طرحهم أي تساؤل عندما اكتشفوا أن ايران هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي أيدت احتلالهم للعراق وشجعتهم عليه ودعمت كل خطوة أقدموا عليها بدءا بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي على أسس مذهبية تهمش السنة العرب تهميشا كاملا وانتهاء بحل الجيش؟
من المفيد خروج الكلام عن تقسيم العراق الى العلن، ذلك أن السؤال المطروح حاليا ليس هل التقسيم ممكن... المطروح صراحة التفتت والتفتيت لبلد كان الى الامس القريب عربيا!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00