8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا لا يصفق العرب للنظام السوري؟

لا بدّ من السعي إلى محاولة فهم كيف يفكر النظام السوري هذه الأيام وكيف ينظر إلى لبنان... هل في استطاعته استيعاب أن المنطقة تمر في مرحلة في غاية الخطورة وأنه يمكن أن يتسبب في كارثة لسوريا ولبنان والسوريين واللبنانيين لا تقل خطورة ومأسوية عن تلك التي تسبب بها نظام صدّام حسين العائلي ـ البعثي للعراقيين والعراق؟
في سياق هذا السعي لفهم كيف يفكّر النظام السوري وبعد التحدث إلى أشخاص من اللبنانيين والعرب يعرفون كبار المسؤولين السوريين، وإلى سوريين مرتبطين مباشرة بالنظام، بل لديهم مصالح مباشرة معه، يصعب التفاؤل بإمكان استعادة هذا النظام رشده في ظل القناعة التي تزداد لديه يوما بعد يوم بأنه في طريقه من انتصار إلى آخر أكان ذلك في العراق أو في لبنان أو في فلسطين أو على طريق فك عزلته العربية والدولية.
ربما كان أفضل اختصار للحال التي يعيشها النظام، الذي يعتقد كباره في قرارة أنفسهم أن إسرائيل تريد المحافظة عليه تفاديا لوصول متطرفين إسلاميين إلى السلطة في دمشق، ما قاله شخص يعرف كبار المسؤولين السوريين عن كثب. يقول هذا الشخص في معرض عرضه للأسباب التي تدعو إلى عدم إضاعة الوقت في السعي إلى إدخال بعض المنطق على سلوك النظام السوري أنه "عندما يقول الأميركي صباح الخير، لأي مسؤول سوري، فإن هذا المسؤول يعتقد أن تلك دعوة إلى الفراش، وأن العلاقات بين البلدين عادت إلى طبيعتها وأن أميركا رضخت لكل المطالب السورية بما في ذلك إعادة لبنان إلى الوصاية".
من يتمعن جيداً في هذا الكلام، يكتشف المدى الذي يبدو النظام السوري على استعداد للذهاب إليه من أجل العودة إلى لبنان، علما أن هناك من يقول إن الرئيس بشار الأسد نفسه يعتقد أن الخروج من لبنان كان أفضل خدمة لنظامه وأنه صار الآن في لبنان أقوى مما كان عليه في الماضي، أي في الأيام التي كان فيها جيشه في هذا البلد بحجة أنه مكلف المحافظة على الأمن في الوطن الصغير ومنع التقاتل بين اللبنانيين.
الأقرب إلى الحقيقة ما يقوله الشخص الذي يعرف كبار المسؤولين السوريين عن كثب والذي يدرك أن الهمّ الأول لدى هؤلاء ولدى بشّار الأسد شخصيا هو العودة إلى لبنان بحجة واهية هي "الحؤول دون الاقتتال الداخلي والمحافظة على وحدة البلد في مواجهة مؤامرة التقسيم". يضيف هذا الشخص أن الرئيس السوري يعتبر إيران عمقه الاستراتيجي وانها من نوع الدول التي يمكن الأتكال عليها نظرا إلى أنها تفي بكل التزاماتها تجاه سوريا بدليل أنها لا تتأخر عن أي عمل من شأنه دعم "حزب الله" الذي بات يمثل "ميليشيا سورية في لبنان". وهذا يعني أن النظام السوري قادر، بفضل "حزب الله"، على عمل ما يريد في لبنان من أجل زعزعة الاستقرار في البلد والقول للعالم كله أن هذا ثمن إجباره على الخروج منه.
يلخص هذا الشخص الموقف السوري من الأحداث بالآتي: في العراق، هناك دعوات أميركية مباشرة وغير مباشرة تطلب المساعدة، وهذا يعني أن سوريا صارت لاعبا معترفا به في العراق. أما بالنسبة إلى الوضع في فلسطين، فإن سوريا استطاعت إفشال اتفاق مكة بين "فتح" و "حماس" بعدما ساعدت في التوصل إليه وهي "تدير حاليا قطاع غزة انطلاقا من دمشق". ويؤكد أن النظام السوري مقتنع بأن الإسرائيليين لا يمكنهم الاستغناء عنه فضلاً عن أنهم باتوا يدركون معنى امتلاك سوريا لهذا العدد الكبير من الصواريخ بعد "الهزيمة" التي الحقها بهم "حزب الله" الصيف الماضي. وهذا يعني في طبيعة الحال أن هناك توازنا استراتيجيا بين إسرائيل وسوريا.
عندما يشعر النظام السوري أنه مرتاح، أو على ألأصح عندما يقنع نفسه بأنه مرتاح إلى هذه الدرجة وأن الأميركيين لا ينتظرون سوى رحيل بوش الإبن قريبا للانفتاح عليه وأنه لاعب أساسي في العراق وفلسطين فضلا عن أنه يتحكم بالأستقرار في لبنان، يمكن توقع الأسوأ. الأسوأ هو استمرار الأغتيالات والتفجيرات في لبنان إلى أن يعود العسكر السوري إلى بيروت من أجل الفصل بين اللبنانيين وتفادي المذابح كما كان يحصل في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عندما كانت عناصر تابعة للأجهزة السورية تخطف وتقتل وتذبح على الهوية كلما لاح أمل بأيجاد توافق بين اللبنانيين.
ما لا يفهمه النظام السوري أن المنطقة تغيرت والعالم تغير. حتى العرب تغيروا. هل صدر أي تنديد عربي بالغارة التي شنها الإسرائيليون في السادس من أيلول ـ سبتمبر الجاري على موقع سوري، باستثناء ما صدر عن لبنان ممثلا بالسلطة الشرعية فيه أي بالحكومة التي لا يعترف بها النظام السوري؟
يفترض في الموقف العربي من الغارة الاسرائيلية، التي ليس معروفا ماذا استهدفت، لكنها كانت خرقا للأجواء السورية في أي حال من الأحوال، أن تجعل النظام السوري يعيد حساباته. من يسجل كل هذه الأنتصارات على صعيد المنطقة كلها، ليس عليه البحث عن عرب يصفقون له على انجازاته أو عن من يندد بالغارة الإسرائيلية. عندما يغيب المصفقون العرب، عليه في هذه الحال إعادة النظر في حساباته وإدراك أنه لا يعادي لبنان فحسب، بل يعادي شرفاء لبنان والعرب أيضا. وقد اغتال أشرف الشرفاء، أي رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميل ووليد عيدو وأنطوان غانم. هؤلاء لم يؤذوا نملة في حياتهم. عليه أن يتذكر باستمرار أن هؤلاء استشهدوا من أجل لبنان وسوريا وأن عليه أن يدفع الثمن عاجلا أم آجلا. المحكمة الدولية في الانتظار ولا مجال للرهان على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أو غيره من أجل تأجيل المحكمة. مثل هذا الرهان، رهان آخر على أوهام من نوع الأنتصارات السورية في لبنان وفلسطين والعراق...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00