8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ما أعطى الانتخابات المغربية معنى..

بعثت الانتخابات النيابية التي شهدها المغرب أخيراً بإشارات في اتجاهات مختلفة. في مقدم الإشارات ان الوضع في المملكة تحت السيطرة وأن الحياة السياسية فيها تتطور ببطء ولكن بثبات وأن الوسطية لا تزال الصفة المهيمنة على المجتمع المغربي. وقد شاء هذا المجتمع أن يجعل من حزب الاستقلال، وهو حزب قديم قريب في كل شيء من الوسطية، الحزب الذي لديه أكبر عدد من الأعضاء في مجلس النواب. وهذا يعني بكل بساطة أن معظم التحليلات التي خرجت بها وسائل إعلامية أوروبية وأميركية قبل الانتخابات كانت من النوع الذي يثير الشفقة أكثر من أي شيء آخر. إنها دليل على أن الأوساط الأوروبية والأميركية ترفض الإعتراف بأن ما ينطبق على دول معينة لا ينطبق بالضرورة على المغرب وأن من الأفضل عدم السقوط في التعميم في حال كان مطلوبا السعي الى فهم ما يجري في المملكة والتجربة التي يشهدها البلد.
سقطت وسائل الإعلام الأجنبية في لعبة كان من الأفضل لها عدم السقوط فيها في حال كانت حريصة على حد أدنى من صدقيتها خصوصاً بعدما توقعت في غالبيتها أن يكتسح "الإسلاميون" الانتخابات. لم يحصل شيء من هذا القبيل لسبب في غاية البساطة يتمثل في أن المغرب مضبوط من داخل بحدود وضعها المجتمع لنفسه وأن التحولات التي يشهدها مرتبطة ارتباطا عضويا بطبيعة هذا المجتمع الذي نشأ على فكر الإعتدال والتسامح. والأهم من ذلك كله أن السلطات في المغرب لم تدخل في مواجهة مع الإسلاميين بمقدار ما أنها اعترفت بأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع وأن الجهد يجب أن ينصب على محاربة الإرهاب بكل أشكاله والسعي الى احتوائه، خصوصا بعد أحداث أيار 2003 حين ضربت "القاعدة" في الدار البيضاء مستهدفة الأبرياء.
في ظل هذه المعطيات جرت الانتخابات الأخيرة التي دلّت على أن الإجراءات المتخذة أدت الى النتائج المرجوة، أي الى أن تكون في البلاد حياة سياسية غنية الى حدّ ما وأن تدوراللعبة السياسية بوجود أحزاب حقيقية تتنافس على أساس البرامج التي تطرحها. لقد وفرت الحكومة كل أسباب النجاح للإنتخابات التي أجريت يوم السابع من أيلول الجاري. وشهد المراقبون الأجانب على نزاهة الانتخابات وحياد السلطة. وهذا يلقي مسؤولية كبيرة على الأحزاب المغربية وعلى الطبقة السياسية تحديدا لدى إثارة مشكلة الإقبال على التصويت الذي بقي إقبالاً متواضعاً.
ولكن أبعد من اجراء الانتخابات، لا بد من الاعتراف بأن ما حصل في السابع من أيلول 2007 ، كان خطوة أخرى، ولكن مفصلية، في رحلة طويلة تستهدف النجاح في مواجهة التطرف بكلّ أشكاله. وهنا لا بد من التذكير بأنه عندما أوصى الملك محمّد السادس قبل سنوات بتقديم الدروس الدينية بلغة سهلة في متناول الفهم والإدراك في سياق صون الموروث الثقافي وثوابت وحدة العقيدة والمذهب، كان يعيد الى المسجد من خلال هذه المبادرة دوره الإشعاعي كأقوى مؤسسة روحية لإنتاج ثقافة الانفتاح على نقيض التعصب والانغلاق ومصادرة الحريات الفكرية.
إذا كان من درس يمكن تعلمه من الانتخابات المغربية الأخيرة، فإن هذا الدرس يتلخص أوّلاً بأن التطرف يحارب على غير جبهة وأن المغرب نجح الى حد كبير في حربه هذه من دون أن يعني ذلك أن في الإمكان الأستكانة. أما الدرس الآخر فهو أن على الطبقة السياسية تحمل مسؤولياتها وتأدية دورها بعدما أكدت الانتخابات أن المجتمع المدني في المغرب يعي تماما ما هو على المحك في هذه المرحلة بالذات، ويعي خصوصا الحاجة الى مواجهة التطرف والانتصار عليه.
المغرب الى أين بعد الانتخابات؟ الاتجاه هو الى مشاورات سياسية تنبثق عنها حكومة تضم أكبر عدد من الكفاءات بغية الأستفادة من التحسن الذي تشهده المملكة على الصعيد الإقتصادي وتوظيف هذا التحسن في الحرب على الفقر التي يخوضها البلد. بكلام أوضح، يفترض في الأحزاب المغربية بعد نجاح تجربة الانتخابات النيابية استيعاب أنه بدل الصراع السياسي الذي يستهدف الحصول على مغانم لا قيمة حقيقية لها، هناك الآن صراع ذو طابع اجتماعي عنوانه العام الحرب على الفقر والتخلف وعلى استخدام الدين من أجل الاستيلاء على عقول الناس أو ارتكاب أعمال إرهابية لا تمت بصلة للإسلام لا من قريب ولا من بعيد.
هناك في المغرب مشروع واضح المعالم للإسلاميين عبر عنه البرنامج الانتخابي لـ"حزب العدالة والتنمية" الذي حلّ ثانياً في الانتخابات. وهناك مشاريع أخرى ذات طابع ليبيرالي أو اشتراكي... وهناك مشروع للملك يجمع بين مختلف هذه المشاريع. وقد صب نجاح الانتخابات ونتائجها في خدمة المشروع الجامع الذي ينقل البلد الى مرحلة جديدة تكون فيها ضوابط لكل أنواع التطرف. من كان يقرأ ما يصدر في الإعلام الأجنبي قبل الانتخابات المغربية كان يعتقد أن الحديث إنما هو عن بلد آخر. وجاءت نتائج الانتخابات لتثبت ذلك ولتثبت قبل كل شيء أن ليس في الإمكان الاستهانة بالفكر الوسطي المترسخ في المجتمع المغربي من جهة ولا بالجهود التي بذلت من أجل نقل البلد الى مرحلة جديدة من جهة أخرى. إنها مرحلة لا تستند على استخدام القمع في أي شكل من الأشكال بمقدار ما تقوم على معالجة الظواهر الأجتماعية الشاذة بالذهاب الى الجذور... أي الى الأسباب التي تولد إرهابا وإرهابيين. من الباكر الجزم بأن المغرب ربح المعركة على الإرهاب والتطرف، لكن الأكيد أن الانتخابات الأخيرة تشير الى أنه في الطريق الى تحقيق ذلك... وهذا ما أعطى للانتخابات الأخيرة معنى ومغزى يتجاوزان حدود المغرب.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00