8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

متى يبدأ الانسحاب الأميركي من العراق؟

بغض النظر عما يقوله رئيس الوزراء العراقي السيد عدنان المالكي عن العلاقة بين واشنطن وبغداد، وبغض النظر عن رأي الرئيس بوش الأبن في المالكي، وما إذا كان الشعب العراقي يقرر حقّاً من هو رئيس وزرائه، لا يمكن إلا أن نتوقع أنسحاباً أميركياً ولو تدريجيا من العراق في غضون سنة. صار مبدأ الانسحاب واقعاً لا مفر منه. السؤال المطروح متى يحصل ذلك وهل تنسحب القوات الأميركية إلى قواعد محددة بعيداً عن المناطق الآهلة بالسكان في الوسط والجنوب، خصوصاً إلى الشمال الكردي، أم يكون هناك انسحاب شامل وكامل على غرار ذلك الذي تنوي بريطانيا تنفيذه من جنوب العراق ومن البصرة تحديداً؟ في كل الأحوال، لن يكون في أستطاعة بوش الابن تفادي المباشرة في الأنسحاب قبل أنتهاء ولايته، لا لشيء سوى لأن الجمهوريين يدركون منذ الآن أن من دون بدء بالانسحاب، لا أمل لمرشحهم في منافسة المرشح الديموقراطي في انتخابات الرئاسة المقبلة، كما لن يكون في استطاعة مرشحي الحزب تحقيق أي نتائج معقولة في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ في غياب قرار بالانسحاب.
كان مجرد وصول المالكي إلى موقع رئيس الوزراء خلفاً للدكتور ابراهيم الجعفري تكريسا لفشل السياسة الأميركية في العراق. الموضوع ليس موضوع شخص معيّن وما إذا كان المالكي أفضل من الجعفري أو أسوأ منه. أنه مرتبط بموضوع ما يصلح وما لا يصلح لأن يكون حجر الزاوية لبناء دولة حديثة في بلد غني ومتنوع مثل العراق. وبكلام أوضح، لا يصلح شخص ينتمي إلى حزب مذهبي لأن يكون رئيسا للوزراء أي رمز السلطة التنفيذية في العراق خصوصاً في حال كانت لدى هذا الحزب ميليشيا خاصة به. على رئيس الوزراء أن يكون حراً في خياراته، خصوصاً عندما يتعلق الأمر ببناء مؤسسات الدولة. في النهاية ان الميليشيات لا تبني دولا ومؤسسات أمنية اللهم إلا إذا كان الأمر متعلقا بأستيلاء حزب معين على الدولة واتخاذه قراراً بالسيطرة على مؤسساتها وتطبيق أيديولوجية خاصة به تصير هي ايديولوجية الدولة. هل هذا ممكن في العراق حيث الشيعة والسنة والعرب والأكراد والأقليات الأخرى التي صارت مضطهدة بدليل ما تعرضت له الطائفة الأزيدية أخيراً على يد عناصر من "القاعدة" وعملية التهجير المبرمجة التي تمارسها الميليشيات التابعة لأحزاب شيعية كبيرة في حق مسيحيي العراق الذين لم تبق منهم سوى أقلية؟ هل من يريد أن يتذكر أن من اصل مئة ألف مسيحي في البصرة التي تسيطر عليها الميليشيات التابعة للأحزاب الشيعية، لم تعد في المدينة حالياً سوى ست عائلات؟
في أقل من أربع وعشرين ساعة، انتقد الرئيس الأميركي رئيس الوزراء العراقي وأشاد به. وأعطى بذلك دليلا على حال من الضياع تسود في واشنطن التي تبدو وكأنها تكتشف الآن من هو المالكي وما هي السياسة التي يؤمن بها. المالكي هو المالكي. أنه ينتمي إلى حزب شيعي كبير هو "حزب الدعوة" لديه أجندة خاصة به تستند إلى أيدوليوجية معروفة ذات توجه مذهبي محض. أكثر من ذلك، هناك كوادر في الحزب تقدر بالآلاف تدرّبت في إيران وعاشت فيها سنوات طويلة وقد دخلت إلى العراق مع دخول القوات الأميركية وأستحوذت على مواقع حساسة في الحكومة والأجهزة الأمنية وغير الأمنية بما في ذلك الاعلام.
في حال كان الرئيس بوش الأبن يريد بالفعل الخروج من ورطة العراق، عليه قبل كل شيء الاّ يلوم رئيس الوزراء في شيء. عليه أن يلوم نفسه وادارته أولاً. ها هم البريطانيون قد أتخذوا قراراً بالأنسحاب أبلغه رئيس الوزراء غوردون براون إلى الرئيس الأميركي في لقائهما الأخير الشهر الماضي. أتخذ غوردون براون قراره بناء على طلب كبار العسكريين البريطانيين الذين توصلوا إلى نتيجة فحواها أنه "لم يعد لدى القوات البريطانية ما تستطيع عمله" في العراق وأن عليها الأنسحاب في أقرب فرصة ومن دون أي تأخير. وجد البريطانيون بكل بساطة أن قواتهم صارت تتعرض لقصف مركز بشكل يومي. تبخر الحلم الذي جاء بالبريطانيين إلى العراق وهو حلم إسقاط نظام صدّام حسين العائلي ـ البعثي وإقامة دولة ديموقراطية مزدهرة مكانه. تبين بكل بساطة أن البريطانيين لا يعرفون شيئا عن جنوب العراق وعما أصاب النسيج الاجتماعي في البلد كله جراء سنوات طويلة من القهر والظلم بدأت بالانقلاب على الأسرة الهاشمية في ذلك اليوم المشؤوم في الرابع عشر من تموز ـ يوليو 1958 وبلغت ذروتها بتولي صدّام السلطة في العام 1979.
يريطانيا ستنسحب بعدما فقدت الأمل بدور في العراق. متى ستعلن الادارة الأميركية عن أنها وجدت مخرجاً وأن الانسحاب صار استراتجيتها. المسألة مسألة توقيت فقط نظراً إلى أنه سيأتي يوم لن يعود فيه مجال للمكابرة. سينسحب الأميركيون، لكن السؤال في أي حال سيتركون العراق؟ هل من خيار آخر غير الاعتراف بأن كل ما فعلوه كان اثارة كل أنواع الغرائز في هذا البلد العربي سابقا وأنهم لم يوفروا جهداً إلا وبذلوه من أجل تقسيم العراق إلى ثلاث دول على ألأقل. في كل الأحوال، يخرج البريطانيون من البصرة وهم يدركون أن هناك قتالاً بين الميليشيات الشيعية يدور منذ أشهر عدة في الجنوب. وقد أدى القتال قبل أيام إلى أغتيال أثنين من المحافظين ينتميان إلى المجلس الأعلى للثورة الأسلامية... هذا القتال ليس سوى مؤشر لما يمكن أن يكون عليه الوضع في المناطق العراقية الأخرى متى يبدأ الأميركيون بالانسحاب. الاستثناء الوحيد المنطقة الكردية في حال أتعظ الأكراد من حروبهم الداخلية السابقة طبعاً!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00