8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

منذ متى صار الابتزاز سياسة؟

من اطرف ما يشهده العالم العربي حاليا هو اعادة اكتشاف النظام السوري. من يكتشف النظام على حقيقته في السنة 2007 ، انما تأخر في ذلك سنوات عدة في أقل تقدير. انه نظام ليس لديه ما يصدره سوى الإرهاب وليست لديه سياسة أخرى غير سياسة الابتزاز. منذ متى صار الابتزاز سياسة؟ كل ما تبقى تفاصيل وضحك على العرب والعروبة وتجارة بلبنان والقضية الفلسطينية والجولان والعراق وكل ما يمكن أن تقع عليه يد النظام. من يكتشف النظام السوري هذه الأيام يتجاهل أنه ليس حرا في قراره منذ خروجه العسكري من لبنان نتيجة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونزول اللبنانيين الى الشارع للتعبير عن رفضهم نظام الوصاية الذي أفلس منذ فترة طويلة بعدما أصر على لعب أدوار اقليمية لم يعد قادرا على لعبها بدل الانصراف الى معالجة أوضاعه الداخلية على رأسها الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعاني منه الشعب السوري الصابر.
من يريد دليلاً جديداً على افلاس النظام السوري الذي يتعاطى مع الآخرين عبر لغة الاغتيالات والتفجيرات، وهي اللغة الوحيدة التي يتقنها، يستطيع قراءة الخطاب الذي خرج به السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" في الرابع عشر من الشهر الجاري والذي وعد فيه إسرائيل بـ"مفاجأة" في حال شنت حرباً جديدة على لبنان. ما حاجة اسرائيل الى حرب جديدة على لبنان بعدما حقق لها "حزب الله" باسم النظام السوري ونيابة عنه كل أهدافها في لبنان. أعاد "حزب الله" بفضل حرب الصيف الماضي التي يصر على اعتبارها انتصارا كبيرا الوطن الصغير ما يزيد على ثلاثين عاما الى خلف. ما الذي تريده إسرائيل أكثر من ذلك؟
بدل التبجح بالانتصار الذي تحقق في الصيف الماضي، من الأفضل التعاطي مع لغة الأرقام. هناك عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين هاجروا ومعظم هؤلاء من حملة الشهادات العالية، وهناك مئات المؤسسات اللبنانية وغير اللبنانية التي أغلقت أبوابها وهناك مئات الالاف من السياح العرب والأجانب الذين أزالوا محطة لبنان من برامج سفرهم وجولاتهم وهناك آلاف المستثمرين العرب الذين باتوا يعتبرون لبنان مكانا غير آمن لا بد من الابتعاد عنه وعن الخدمات التي يقدمها. والأهم من ذلك كله، أن كل ما فعله "حزب الله" وأدواته المستأجرة منذ الصيف الماضي هو نقل الحالة العراقية الى لبنان عن طريق اثارة الغرائز المذهبية التي تسيء الى وحدة الشعب اللبناني. والمؤسف أن ما لا يستطيع "حزب الله" قوله في العلن عن السنة، يقوله النائب ميشال عون وأزلامه الذين نذروا أنفسهم لنشر ثقافة البؤس التي ينادي بها "حزب الله" ومن لف لفه. ما يصدر عن المهرج برتبة جنرال خطير جدا نظرا الى أنه يعبر عن حال مَرَضية تخفي حقدا أعمى على اللبنانيين ورغبة في الانتقام من كل ما هو حضاري في لبنان بما في ذلك العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين من كل الطوائف والمذاهب.
ما يشهده لبنان حاليا هو فصل جديد في عملية لا هدف لها سوى تغطية جرائم النظام السوري. كل ما يدور على الأرض اللبنانية، من مخيم نهر البارد، الى الاعتصام في وسط بيروت بغية تقطيع أوصال المدينة، جزء لا يتجزأ من هذه العملية. إنها عملية تصب في ايجاد فراغ في لبنان وابلاغ العالم أن الوطن الصغير لا يمتلك مرجعية سياسية وانه لا يحق للبنانيين السعي الى معرفة الحقيقة، أي الى الاقتصاص من الذين كانوا وراء اغتيال رفيق الحريري والجرائم الأخرى بدءا بمحاولة اغتيال الوزير مروان حماده وانتهاء باغتيال النائب وليد عيدو.
لا يمكن فهم ما يدور حاليا في لبنان خارج نظرية السعي الى خلق فراغ سياسي في البلد لتغطية النظام السوري المفلس. كل الكلام عن حكومة وحدة وطنية يصب في هذا الاتجاه. كل كلام عن عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يعيد الى الرئاسة احترامها بعد كل الأساءات التي ألحقها بها أميل لحود، يندرج في سياق تغطية الجرائم التي ارتكبها النظام السوري الذي سدّ له "حزب الله" الفراغ الذي خلفه انسحابه العسكري من لبنان. إنه نظام مفلس يعتقد أن نظرية الفراغ ستنقذه من المحكمة الدولية. لا شيء يمكن أن ينقذه من المحكمة التي صارت أمرا واقعا والتي هي في طبيعة الحال تعبير عن ارادة المجتمع الدولي. لو لم يكن الأمر كذلك، لما صدرت كل هذه القرارات عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وآخرها القرار القاضي بانشاء المحكمة تحت الفصل السابع من الميثاق.
سيدفع لبنان واللبنانيون غاليا ثمن تصديهم للمحاولة الهادفة الى ايجاد فراغ في بلدهم. لكنهم سينتصرون في نهاية المطاف. لا لشيء سوى لأن نظرية تغطية الجريمة بجريمة أكبر منها لا يمكن أن تنجح. لن ينجح النظام السوري في ذلك لسبب في غاية البساطة يتمثل في أنه مفلس من جهة وأن لعبته مكشوفة من جهة أخرى. لا مكان للعبة تدار تحت شعار أن الانسحاب العسكري من لبنان يكفي كثمن لأغتيال رفيق الحريري. إنه نظام يحاول بكل بساطة أن يلعب أدواراً اقليمية تفوق حجمه... والأصح أنه يلعب أدواراً يرسمها له أولياء نعمته في طهران الذين يريدون استخدامه من أجل تحسين شروط المفاوضات مع "الشيطان الأكبر" الأميركي و"الشيطان الأصغر" الأسرائيلي على غرار استخدامهم للبنان كي يقولوا أن لديهم "ساحة" تطل على البحر المتوسط وأنهم على تماس مع إسرائيل بفضل صواريخ "حزب الله". هذه ألعاب من الماضي لا أكثر ولا أقل، لكنها مكلفة للبنان واللبنانيين خصوصا في الأسابيع المقبلة التي تفصل عن موعد انتهاء ولاية الشؤم لرئيس قبل أن يقبع في قصر بعبدا عن طريق الدم والارهاب. لكن هذه الألعاب مكلفة في المدى الأبعد لنظام سوري يعتقد أن سياسة الابتزاز يمكن أن تستمر الى ما لا نهاية وانه يستطيع قول الشيء وعكسه في آن وان يجد من يصدقه لأنه قادر على ممارسة الإرهاب. هل من إفلاس أكبر من هذا الإفلاس؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00