يرفض النائب ميشال عون الاعتراف بالهزيمة التي لحقت به في انتخابات المتن. يرفض الاعتراف بأنه مجرد نكتة سمجة طالت أكثر مما يجب. يرفض الاعتراف بأن المسيحيين، على رأسهم الموارنة سحبوا ثقتهم منه. يرفض الاعتراف بأنه ليس سوى أداة سورية صغيرة، بل أداة عند الأدوات السورية اختصاصها الوحيد خلق الفتن بين اللبنانيين وتغطية جرائم النظام السوري. لو لم يكن ميشال عون كذلك لما خاض معركة المتن بناء على تعليمات تلقاها من أولياء نعمته في دمشق. ثمة سؤال في غاية البساطة: كيف يقبل رجل يمتلك حدّاً أدنى من الأخلاق خوض معركة في وجه شهيد مستغلاً أصوات المجنسين السوريين للادعاء بأنه تقدم على منافسه؟
كان مستغرباً امتناع ميشال عون عن الاقدام على خطوة إفتعال معركة في المتن تصب في عملية تفتيت الصف اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً. لو لم يقدم على هذه الخطوة، لكان القائد السابق للجيش اللبناني، الذي يدّعي بطولات لا وجود لها سوى في الخيال، تنكر لتاريخه. ليست في سجل الجنرال سوى حروب تستهدف افتعال النزاعات بين اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً بغية تمكين النظام السوري من تحقيق أهداف معيّنة. من لديه أدنى شك في هذا الكلام يستطيع أن يتذكّر كيف سمح التصرف الغبي للجنرال في الأعوام 1988 و1989 و1990 للسوريين بدخول قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية اللذين لم يدخلوهما قبلاً. بعد اقتحام الموقعين ونقل كل ما فيهما من ملفات إلى دمشق، تمكن النظام السوري من بسط نفوذه على كلّ لبنان. استطاع ذلك، إلى حدّ كبير، بفضل ميشال عون.
يفعل النظام السوري ذلك كله إنطلاقاً من سياسة مدروسة تستهدف تفتيت لبنان بغية إيصال المجتمع الدولي إلى نتيجة وحيدة فحواها أن هذا البلد لا يستطيع إلا أن يكون تحت وصايته. أما يكون لبنان تحت هذه الوصاية وأما لا يكون. ولهذا السبب وليس لغيره افتعل النظام السوري حرب مخيّم نهر البارد بإرساله عصابة شاكر العبسي، بتغطية من "حزب الله"، وذلك في سياق خطة محكمة تستهدف افتعال فتنة سنية سنية في شمال لبنان من جهة واستنزاف الجيش من جهة أخرى بعدما تبين أن هذه المؤسسة الوطنية قادرة على لعب دور بنّاء على صعيد لبنان ككل. ولعل الدور الأهم الذي تستطيع مؤسسة الجيش لعبه هو حماية القرار الرقم 1701 الذي أغلق جبهة جنوب لبنان في وجه "حزب الله" الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الايراني يضم عناصر لبنانية. أغلق تلك الجبهة المفتعلة التي لا هدف منها سوى إبقاء لبنان أسير عملية إبتزاز يمارسها النظام السوري للوطن الصغير. هذا النظام الذي امتهن تصدير الارهاب، كونه ليست لديه بضاعة أخرى يصدرها. انه نظام يعتبر الانتصار على لبنان بديلاً من الانتصار على اسرائيل. مطلوب أن يبقى الجنوب اللبناني جرحاً نازفاً وألا يتغير شيء بالنسبة إلى الجنوبي المسكين على الرغم من أن الانسحاب الاسرائيلي حصل في العام 2000 وأن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أعلن رسمياً أن اسرائيل نفّذت القرار الرقم 425. مطلوب بكل بساطة أن تستمر المتاجرة بالجنوب والجنوبيين إلى ما لا نهاية، كي تقول إيران إنها على تماس مع إسرائيل وإن صواريخها تهدد الدولة اليهودية، في حين لا يحرك النظام السوري ساكناً لاستعادة الجولان المحتل منذ العام 1967.
يتعرّض لبنان لهجمة شرسة من أجل تفكيك البلد وتحويله إلى دولة فاشلة على غرار الصومال أو ما شابهها. ميشال عون ليس سوى أداة صغيرة في هذه الهجمة، لكنه أداة خطرة نظراً إلى أنه يؤمن غطاء للأداة الأساسية المتمثلة في "حزب الله" الذي ينفذ مشروع تحويل لبنان مجرد "ساحة" للمحور الايراني ـ السوري الذي يعرف تمام المعرفة ما الذي يريده. انه يريد بكلّ بساطة الانتهاء من لبنان. ولهذا السبب يستمر "حزب الله" في التسلح وزيادة عدد مقاتليه تمهيداً للاستيلاء على بيروت ومناطق أخرى، على غرار استيلاء "حماس" على غزة عن طريق ميليشيا خاصة بها سمتها "القوة التنفيذية". حوّل الحزب سلاحه في إتجاه الداخل بمجرد أن انتهت حرب تموزـ يوليو 2006 التي لم يكن من هدف لها سوى تدمير لبنان.
تدخل عملية إلهاء الجيش بمخيم نهر البارد في اطار الأستراتيجية الجديدة لـ "حزب الله" الموظفة في خدمة المشروع الايراني ـ السوري. ولذلك لم يجد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله عيباً في وضع الجيش الوطني وعناصر عصابة العبسي السورية في المستوى نفسه. أما معركة المتن فهي حلقة من حلقات هذه الأستراتيجية التي شملت توجيه "حزب الله" سلاحه إلى اللبنانيين بتقطيعه أوصال العاصمة عن طريق احتلال الوسط التجاري بما يشكل اعتداءً صارخاً على الأملاك الخاصة والعامة. كيف يمكن لميشال عون أن يقبل بالاساءة إلى اللبنانيين وأرزاق اللبنانيين وممتلكاتهم؟ كيف يمكن أن ينسى ما فعله "حزب الله" بمسيحيي حارة حريك والمريجة؟ ولو افترضنا أن الحزب ليس مسؤولاً عن ذلك، لماذا لا يعود ميشال عون إلى مسقط رأسه ويعيش حيث يفترض به أن يعيش... أم أنه لم ينته بعد من المهمة الموكولة إليه والتي تتلخص بخلق فتنة جديدة بين المسيحيين؟
في كل الأحوال حقق النظام السوري ما أراد تحقيقه. أراد خلق فتنة مسيحية ـ مسيحية بديلاً من فتنة سنية ـ سنية في شمال لبنان. وحدها الأيام ستظهر هل نجح في ذلك أم أنه خسر أداته المفضلة الممثلة بالجنرال المهرّج الذي أخذ حجمه الحقيقي. نسي النظام السوري أمراً في غاية الأهمية هو أنّ المحكمة الدولية ستلاحق أركان النظام وأن كل الفتن التي يفتعلها لن تلغي المحكمة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.