توفّر معركة المتن فرصة للمسيحيين كي يؤكدوا رفضهم للعب دور الأداة وهو الدور الذي يعتبر أحد الاختصاصات المفضلة لدى النائب ميشال عون الذي برع في تهجير اللبنانيين من كل الطوائف وفي تسخيف الدور المسيحي على وجه التحديد وتهميشه. في النهاية، وبغض النظر عن نتائج انتخابات المتن، يربح لبنان بانتصار الرئيس أمين الجميل ويربح المتن بمثل هذا الانتصار. كل ما عدا ذلك هزيمة للبنان والمتنيين ولكل صوت حرّ وأبيّ في الوطن الصغير.
ما يفعله ميشال عون عندما يصرّ على معركة في المتن متسلحاً بيتامى النظام الأمني السوري ـ اللبناني وبأصوات المجنسين هو استمرار للدور الذي لعبه منذ عودته الى لبنان من منفاه الباريسي. انه دور خدمة نظام الوصاية السوري الحالم بالعودة الى لبنان عن طريق الاغتيالات والتفجيرات وزرع الفوضى.
من لديه القدرة على التمييز بين الصح والخطأ، يستطيع أن يتذكر أنه كان لميشال عون الفضل الأول في تمكين النظام السوري من دخول قصر بعبدا ومقرّ وزارة الدفاع اللبنانية في تشرين الأول من العام 1990 والانقلاب على اتفاق الطائف بعد تخلصه بطريقة وحشية من الرئيس الشهيد رينيه معوّض. لم يدرك ميشال عون وقتذاك معنى التمرد على الشرعية اللبنانية وعلى اتفاق الطائف بالذات. لم يقرأ معنى الاتفاق ولم يستوعب معنى التحولات التي كانت تشهدها المنطقة في تلك المرحلة بعدما ربط مصيره بمصير صدّام حسين الذي أقدم على مغامرته المجنونة بإحتلال الكويت. أخطأ "الجنرال" في حساباته نظراً الى أنه لا يعرف شيئاً في السياسة وفي التوازنات الاقليمية والدولية، فدفع اللبنانيون ثمناً غالياً لتلك المغامرة التي يمكن وصفها بـ"شبه انقلاب" على حدّ تعبير الأستاذ غسّان تويني. وقد استخدم عميد "النهار" هذه العبارة مع الزميلة ميّ شدياق في وصفه الطريقة التي تصرف بها ميشال عون في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس أمين الجميل في العام 1988.
وقتذاك، خاض ميشال عون بعدما عيّنه الشيخ أمين رئيساً لحكومة موقتة مهمتها ضمان عدم حصول فراغ دستوري واجراء انتخابات رئاسية في أسرع وقت، ما سمّاه الجنرال "حرب التحرير" بهدف تحرير لبنان من السوريين، وكانت النتيجة سقوطه في "حرب الالغاء" التي أراد بها التخلص من ميليشيا "القوات اللبنانية". وقد أدت "حرب الالغاء" الى نشوء خطوط تماس في المناطق المسيحية، من الضبية في المتن... الى القليعات في كسروان وإلى دعم سوري غير مباشر لعون بالذخيرة والوقود من أجل متابعة الحرب بين المسيحيين أنفسهم...
أثر انتصاره المبين في "حرب التحرير" بتحريره لبنان من اللبنانيين، ثم في "حرب الالغاء" التي سعى من خلالها الى تهجير ما بقي من المسيحيين، وقد نجح في ذلك الى حدّ كبير، فر "الجنرال" الى منزل السفير الفرنسي في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها لا تليق بضابط ينتمي الى المؤسسة العسكرية اللبنانية. كان جنوده يخوضون معارك شرسة دفاعاً عن الشعارات التي نادى بها "الجنرال"، وقد تبين أنها شعارات فارغة، ليس إلاّ، لا تصلح سوى لإثارة الغرائز.
معركة لبنان في المتن، نظراً الى أن انتصار أمين الجميّل سيعني الكثير، وسيعني قبل كلّ شيء بدء استعادة المسيحيين لوعيهم واكتشافهم، ولو متأخرين، من هو ميشال عون وطبيعة دوره كأداة تستخدم في تغطية كلّ الجرائم التي ارتكبها النظام السوري بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في لبنان بما في ذلك اغتيال الوزير والنائب بيار أمين الجميّل. من يخوض معركة في المتن لمنع انتصار أمين الجميّل، أي لمنع انتصار الأحرار في لبنان، إنما يلعب دوراً في سياق استكمال الجريمة التي راح ضحيتها بيار أمين الجميّل وقبله رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي ثم وليد عيدو.
نعم، يجب التكلم في السياسة لأنّ المعركة في المتن سياسية قبل أي شيء آخر. لكن التعاطي في السياسة يحتاج الى حدّ أدنى من المستوى والصدقية وليس الى أكاذيب من نوع اتهام حكومة فؤاد السنيورة بدعم عصابة "فتح ـ الأسلام" السورية التي يتزعمها الارهابي شاكر العبسي. إن الطفل يعرف من هو شاكر العبسي يا حضرة النائب المحترم. ان أي طفل في أي دار للحضانة يعرف أن العبسي دين في الأردن في قضية اغتيال ديبلوماسي أميركي وفر من الأراضي الأردنية الى الأراضي السورية. سجن العبسي في سوريا ثم أطلق في اتجاه لبنان بدل تسليمه للأردن. منذ متى يخرج ارهابي من سجن سوري بهذه السهولة؟ الجواب أنه يخرج بهذه السهولة عندما يتحول أداة للأجهزة السورية تستخدمه في التخريب في لبنان والاعتداء على الجيش اللبناني في محاولة مكشوفة لاثارة فتنة سنية ـ سنية في الشمال وتهديد الوجود المسيحي فيه.
لا يستطيع ميشال عون أن يعي هذا الواقع والتعاطي معه بعدما تحول أداة مستأجرة يستخدمها "حزب الله" في استكمال الحرب الاسرائيلية على لبنان. إنه لا يفرح إلا بهذا الدور الذي لا يتقن غيره والذي يعيش من أجله والذي لم يجلب على لبنان سوى البؤس والخراب. لكن السؤال الطبيعي، الى متى سيظل هناك مسيحيون لا يدركون الدور الخطير الذي يلعبه الجنرال في مشروع لا هدف له سوى القضاء على لبنان؟ هل يدركون ذلك قبل فوات الأوان؟ ستساعد معركة المتن من دون شك في تبين ما إذا كان هناك بداية وعي مسيحي لخطورة المشروع الذي انخرط فيه ميشال عون وما شابهه من الأدوات المستأجرة التي أبدعت في ممارسة حرفة التغطية على جرائم النظام السوري في لبنان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.