ربما كان الشيء الوحيد الذي صدق فيه النائب ميشال عون قوله أخيراً إن الحرب الاسرائيلية مستمرة على لبنان. نعم إنها مستمرة بفضل الجنرال وأمثاله وبفضل الذين أستأجروه بغرض متابعة هذه الحرب التي تستهدف لبنان واللبنانيين. لو لم يكن الأمر كذلك، كيف يسمح النائب المحترم لنفسه بالاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة وسط بيروت وتعطيل الحياة في وسط المدينة الذي هو رمز التلاقي بين اللبنانيين والعيش المشترك بعيداً عن لغة السلاح والتخوين التي يتقنها أسياده؟ لو لم يكن الأمر كذلك، كيف يسمح القائد السابق للجيش اللبناني بتغطية الاعتداء الذي استهدف ضباط الجيش وجنوده في الشمال وكيف يمكن أن يسمح لمن يعتبره حليفه بتغطية الحرب التي تستهدف الجيش والتي يشنها النظام السوري على المؤسسة الوطنية عبر عصابة "فتح ـ الإسلام" التي صنعتها أجهزته؟
من يعتدي على الأملاك الخاصة والعامة في لبنان، في أي بقعة من لبنان، يضع نفسه أوتوماتيكياً في خدمة إسرائيل من حيث يدري أو لا يدري والأرجح أن ميشال عون يدري. أنه يضع نفسه في تصرف إسرائيل التي استهدفت خلال حرب الصيف الماضي التي افتعلها "حزب الله" القضاء على كل ما حققه لبنان في السنوات الأخيرة بما في ذلك عودته إلى الخريطة الإقليمية والدولية بفضل مشروع الانماء والاعمار الذي نفذ ابتداء من العام 1992 من القرن الماضي. إنه يضع نفسه في خدمة إسرائيل التي استكملت جريمة النظام السوري المسؤول مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري. استُكملت الجريمة بالسعي إلى القضاء على مشروع اعادة الحياة إلى لبنان عبر إسرائيل. ولما عجزت الدولة اليهودية عن ذلك، تولى "حزب الله" وأدواته المستأجرة على رأسها الجنرال تنفيذ بقية المهمة التي لا تستهدف سوى تهجير اللبنانيين من أصحاب الكفاءات من كل الطوائف والمناطق وتوزيع البؤس ونشره في مختلف المناطق اللبنانية. هل يعي الدكتور عون الذي تحول في الفترة الأخيرة خبيراً في الشؤون القانونية والدستورية أنه يسيء إلى لبنان واللبنانيين وأنه يلعب مجدداً الدور الذي لا يحسن غيره وهو دور الأداة السورية؟
لا يتعلق الموضوع بتثقيف ميشال عون سياسياً، هو الذي يتحول إلى عسكري عندما يتوجب عليه أن يكون سياسياً وكان يتحول إلى سياسي عندما توجب عليه أن يكون عسكرياً. الدليل على ذلك فراره من قصر بعبدا إلى منزل السفير الفرنسي في تشرين الأول 1990 بحجة أنه يريد التفاوض مع السوريين الذين حصلوا على ضوء أخضر أميركي سمح لهم بدخول قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية وذلك للمرة الأولى منذ استقل لبنان.
هذا ليس وقت فتح الدفاتر القديمة للجنرال المتخصص في المعارك الخاسرة التي لا تصب في مصلحة لبنان واللبنانيين في أي شكل. هذا وقت دعوته مرة أخرى إلى محاولة العودة إلى رشده والسعي إلى فهم أن مصير لبنان على المحك وأن المواجهة الدائرة هي بين الاستقلاليين الذين ينادون بمشروع لبناني حضاري على علاقة بالعصر والعروبة المنفتحة من جهة والمنادين مجدداً بعودة لبنان إلى الوصاية السورية من جهة أخرى. ليس هناك لبناني يدرك مصلحة بلده يقف ضد سوريا. المسألة مرتبطة بنظام سوري متخلف لا علاقة له بالعصر يعتقد أن في استطاعته البقاء إلى ما لا نهاية عن طريق تصدير الارهاب أو التلويح بأنه قادر على عقد صفقة مع إسرائيل أو مع الولايات المتحدة على غرار ما حصل في العام 1976 عندما دخل إلى لبنان عسكرياً بحجة أنه سيضع يده على منظمة التحرير الفلسطينية.
ما كشفه الخطاب الأخير للرئيس بشّار الأسد أن هناك نظاماً مريضاً لا يريد أن يفهم معنى الرسائل التي يوجهها له المجتمع الدولي إن في شأن لبنان أو في شأن العراق أو في شأن فلسطين أو في شأن كلّ ما له علاقة بالأرهاب. كلّ ما في الأمر، أن المجتمع الدولي الذي أقر المحكمة الدولية في مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يرى، أقلّه إلى الآن، مصلحة في تغيير النظام السوري سلوكه في انتظار ما ستسفر عنه مداولات المحكمة الدولية في مرحلة لاحقة. كيف يستطيع إذاً لبناني حقيقي غير مرتبط بأجندة المحور الايراني ـ السوري وضع نفسه في خدمة نظام يعتبر أن مصيره مرتبط بنجاحه في اشعال حرب في لبنان؟
غريب أمر ميشال عون الذي يبدو أنه لم يقرأ النقاط السبع التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية خلال حرب الصيف الماضي والتي تصلح أساساً لأي بيان وزاري في المستقبل كونها فعل ايمان بلبنان لا أكثر ولا أقل.
لدى التعاطي مع ظاهرة مرضية اسمها الجنرال، لا بد للمرء أن يتذكر أن القائد السابق للجيش اللبناني الذي فرّ من أرض المعركة تاركاً جنوده يذبحون على يد القوات السورية المتجهة إلى قصر بعبدا، لم يراهن يوماً على حصان رابح. كان في الأعوام 1988 و1989 و1990 حليفاً لصدّام حسين الذي زوده بالسلاح وغير السلاح فأفرح قلوب أركان النظام السوري الذين عرفوا كيف يستغلونه للانقلاب على جوهر اتفاق الطائف عبر التخلص من الرئيس الشهيد رينيه معوض الذي منعه الجنرال من الانتقال إلى قصر بعبدا...
يراهن ميشال عون هذه الأيام على "حزب الله" والنظام السوري ومن خلفه ولي نعمته النظام الايراني من أجل الوصول إلى الرئاسة. مرة أخرى، سيخسر الجنرال رهانه. ولكن كم ستكلف هذه الخسارة الجديدة لبنان واللبنانيين... والمسيحيين منهم خصوصاً؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.