بعد أيام تحل الذكرى الأولى لبدء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان. أنها ذكرى مؤلمة للبنان واللبنانيين، خصوصاً أنها عكست وجود رغبة واضحة لدى غير طرف داخلي وأقليمي في إعادة لبنان ما يزيد عن ثلاثين عاماً إلى خلف ومتابعة الخطة الهدفة إلى تهجير أبنائه وإبعاد العرب وكل أنواع المستثمرين عنه فضلاً عن القضاء نهائياً على مشروع الإنماء والإعمار الذي أعاد الوطن الصغير في غضون سنوات قليلة إلى الخريطة الاقليمية والدولية.
عشية الحرب التي افتعلها "حزب الله" تنفيذاً للتعليمات الصادرة إليه من طهران ودمشق، غير آبه بمصالح لبنان واللبنانيين ومستقبل أبنائهم، كان البلد في طريقه إلى استعادة بعض عافيته. كان ينتظر مليون سائح خلال فصل الصيف. كان العرب في طريق العودة أليه كما في السنوات السابقة لمساعدته في إنعاش اقتصاده وفي سد بعض ديونه التي تراكمت جراء ما ارتكبه النظام السوري والأحزاب التابعة له من جرائم اقتصادية في حق لبنان خلال عهد الوصاية. ارتُكبت تلك الجرائم عن سابق تصور وتصميم بهدف واضح كل الوضوح هو تعطيل مشروع الإنماء والإعمار الذي كان يقوده الشهيد الرئيس رفيق الحريري وتركيب ديون على البلد. وهذا ما لا يفهمه أو يستوعبه بعض الصغار الصغار الذين ارتدوا على لبنان وعلى كل ما هو حضاري في لبنان. وعلى رأس هؤلاء ذلك المهرج برتبة جنرال الذي يستخدم مجدداً في الحرب المستمرة على الوطن الصغير.
ما يرفض "حزب الله" الأعتراف به أنه أخذ لبنان إلى كارثة عن طريق الحرب التي أفتعلها والتي وفرت لإسرائيل فرصة للانتقام من لبنان. كانت تلك الحرب هدية للنظام السوري الساعي إلى تدمير لبنان على رؤوس أبنائه تماما كما وعد رئيسه الذي يرفض التعقل والتفكير في أن ما يقوم به لا يخدم سوى لإسرائيل وأن الكلام عن الممانعة ليس سوى خدمة للأحتلال الإسرائيلي. ولعل أصعب شيء على الرئيس بشارالأسد استيعاب أن الأنتقام من لبنان عن طريق "حزب الله" أو "فتح ـ الاسلام" لا يمكن أن يخدم سوريا وشعبها الصابر بمقدار ما أنه سيجلب عليها وعليه مزيداً من المآسي.
مضت سنة على اندلاع الحرب ولبنان يتلقى الضربة تلو الأخرى. لكنه لا يزال صامداً. ولأنه لا يزال صامداً تشتد الحملة عليه.
لم يكن النظام السوري يعتقد أن لبنان سيصمد كل هذا الصمود في وجه الهجمات التي يتعرض لها. ولذلك كان اللجوء إلى محاولة لافتعال حرب في المخيمات الفلسطينية لتصوير أن الجيش اللبناني يقمع الفلسطينيين ويعتدي عليهم في حين أنه الجيش الوحيد في العالم العربي الذي يُعتدى عليه على أرضه ويرد على العدوان بطريقة حضارية بغية عدم إيذاء المدنيين. لو كان لدى "حزب الله" حد أدنى من الحرص على الجيش اللبناني، كان عليه الاعلان صراحة عن وقوفه مع الجيش بدل إعلان الأمين العام للحزب أن مخيم نهر البارد "خط أحمر" وكأنه يريد المساواة بين عصابة "فتح ـ الاسلام" والجيش الوطني!
طبيعي أن يشمت النظام السوري بما حلّ بلبنان ولكن هل يجوز أن يتجاهل "حزب الله" نتائج الحرب الإسرائيلية على البلد وأن يتابع الحرب بوسائله الخاصة مستخدماً كل الأدوات التي لديه بما في ذلك أدارة سلاحه إلى صدور اللبنانيين. ربما كان أهم ما تكشّف في أعقاب الحرب الإسرائيلية على لبنان أن المهمة الحقيقية لـ"حزب الله" وسلاحه صارت واضحة. من يفتعل فتنة مذهبية في بيروت إنما يوجه سلاحه إلى اللبنانيين. من يحتل وسط بيروت، إنما يوجه سلاحه إلى لبنان ويستكمل الحرب الإسرائيلية على الوطن الصغير. من يسكت عن عصابة "فتح ـ الاسلام" إنما يوفر لها بطريقة غير مباشرة سلاحاً لها كي تصوبه إلى صدور ضباط الجيش اللبناني وجنوده... من يسكت عن السلاح الفلسطيني يطعن لبنان والقضية الفلسطينية في الظهر.
ماذا يعد "حزب الله" للبنانيين في الذكرى الأولى للحرب؟ بالطبع سيردد مسؤولوه المعزوفة نفسها عن الانتصار "الالهي" الذي تحقق. نعم تضررت إسرائيل من الحرب. ولكن ماذا يعني إلحاق الأذى بالدولة اليهودية عندما يجد لبنان نفسه بعد سنة من الحرب في الوضع المخزي الذي هو فيه؟ يُخشى أن يكون الحزب في صدد اعداد مفاجأة جديدة للبنانيين عن طريق العمل على توسيع حرب المخيمات، خصوصاً تلك القريبة من مطار بيروت أو في عين الحلوة على مشارف صيدا. كذلك يخشى من توسيع رقعة الاحتلال في وسط بيروت بغية زيادة الاعتداءات على الأملاك الخاصة والعامة.
تبدو كلّ المخاوف في محلها، بما في ذلك سعي أميل لحود إلى البقاء في بعبدا بحجة أنه "مؤتمن" على الدستور ولا يجوز أن يكون هناك فراغ سياسي في البلد نظراً إلى أن مجلس النواب عاجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وأن الحكومة القائمة ليست دستورية من وجهة نظر فخامة الرئيس.
على الرغم من ذلك كله سينتصر لبنان. لا لشيء سوى لأن الخداع الذي يتعرض له لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. لا يمكن للظلم أن يستمر، لا يمكن لنظام مثل النظام السوري لا علاقة له بالعصر أن ينتصر لا على السوريين ولا على اللبنانيين... ولا على المحكمة الدولية. أما "حزب الله" فأنه يستطيع خطف الطائفة الشيعية إلى حين. في النهاية، سيكتشف كل اللبنانيين من أي فئة أو طائفة أو مذهب أو منطقة أن ليس لديهم سوى لبنان وأنهم مجموعة اقليات في لبنان، مجموعة لا يحميها سوى مشروع حضاري هو مشروع الإنماء والإعمار الذي لم يتوقف سوى إلى حين...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.