8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هذا هو ذنب وليد عيدو

ما ذنب النائب وليد عيدو، نائب بيروت، بيروت ذات القلب والوجه العربيين؟ هل ذنبه بكل بساطة أنه جزء لا ينفصل من بيروت العربية أم لأنّه لبناني يعمل من أجل لبنان، أي من أجل لبنان مزدهر منفتح على العالم وليس لبنان "الساحة" التي يبتز من خلالها النظام السوري وولي نعمته الايراني "الشيطان الأكبر" الأميركي و"الشيطان الأصغر" الاسرائيلي لتحسين موقعيهما في الإقليم على حساب كلّ ما هو عربي وكلّ ما له علاقة بالتقدّم والحضارة؟
ربما كان الذنب الأكبر لوليد عيدو أنّه زاوج كغيره من اللبنانيين والعرب الشرفاء بين العروبة الصافية المنفتحة والنزعة اللبنانية الأصيلة، فعمل من أجل هذا المزج الذي يخدم لبنان والعرب، بمن فيهم سوريا بشعبها الأصيل، وليس المتاجرين بلبنان والعروبة، والمتاجرين بفلسطين والقضية الفلسطينية في كلّ من دمشق وطهران.
باختصار شديد، ذنب وليد عيدو أنّه لبناني. ممنوع أن يكون اللبناني لبنانياً هذه الأيام. لذلك قتلوه. المجرمون هم ذاتهم. إنهم الذين حاولوا اغتيال الوزير مروان حماده، ثم فجّروا موكب الشهيد رفيق الحريري تخلصا من الرمز الوطني والعربي الذي كان يجسده في شخصه. قتلوا رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما. ثم قتلوا سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميل قبل أن تمتد يدهم، يد الغدر، إلى وليد عيدو.
العصابة نفسها حاولت اغتيال الوزير الياس المرّ والزميلة مي شدياق أيضاً. إنها العصابة التي تقف وراء التفجيرات المتنقلة في لبنان منذ انسحاب القوات السورية من الأراضي اللبنانية بغية تأكيد ان لا أمن ولا سلام في لبنان في غياب الوصاية المباشرة لدمشق. العصابة نفسها وراء زرع الألغام التي يتفجر الواحد تلو الآخر منها في لبنان. بين هذه الألغام المخيّمات الفلسطينية التي تؤوي عصابات إرهابية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالقضية الفلسطينية. ومن هذه الألغام السلاح الفلسطيني خارج المخيمات والجزر الأمنية التي يستخدمها "حزب الله" لتكريس لبنان "ساحة" للمحور الإقليمي الذي يعتبر نفسه امتداداً له.
لماذا وليد عيدو في هذا الوقت بالذات؟ الجواب الأقرب إلى المنطق أن الجريمة تستهدف الرد على قيام المحكمة الدولية من جهة وعلى فشل الانقلاب الذي سعى "حزب الله" إلى تنفيذه لإخضاع بيروت وتدجينها والسيطرة عليها عسكرياً تماماً كما فعلت عصابات "حماس" في قطاع غزة. الفارق أن اللبنانيين صمدوا. صمد أهل بيروت وصمد أهل الجبل وصمد أخيراً أهل الشمال، أهل طرابلس الأبية الذين أدركوا باكراً معنى افتعال النظام السوري لحرب مخيّم نهر البارد. وقفت طرابلس ومعها الشمال بمسلميه ومسيحييه في وجه فصل جديد من الانقلاب وأحبطته في المهد. وقفت، تماماً مثلما وقفت بيروت مراراً منذ اغتيال رفيق الحريري، في وجه القتلة وأدواتهم. أفشل أهل بيروت باكراً محاولة "حزب الله" السيطرة على مدينتهم، على غرار ما فعلت "حماس" في غزة قبل أيام. ولهذا السبب وليس لغيره، تشتد الحملة التي يتعرّض لها لبنان هذه الأيام. يدفع لبنان ثمن صموده. كان وليد عيدو وضباط الجيش اللبناني وجنوده دفعة أخرى من الشهداء على طريق الاستقلال والتحرر من نظام الوصاية.
في الأيام القليلة المقبلة، سيتوسع العدوان الذي يستهدف لبنان واللبنانيين. يحاول المحور الإيراني ـ السوري فتح جبهات جديدة تضاف إلى جبهة مخيم نهر البارد واحتلال وسط بيروت ومسلسل الاغتيالات والتفجيرات في هذه المنطقة اللبنانية أو تلك. تضاف إلى ذلك كلّه التهديدات بإغلاق الحدود يطلقها هذا المسؤول السوري أو ذاك من مستوى فاروق الشرع الحاقد على لبنان واللبنانيين وكلّ ما هو ناجح. لعلّ الدليل الأفضل على حجم المؤامرة التي يتعرّض لها لبنان الاعتداء الذي استهدف حديثاً الوحدة الاسبانية في القوة الدولية الموقتة العاملة في جنوب لبنان.
ما حصل في جنوب لبنان خطير، بل خطير جداً. لم يعد سرّاً أن الاعتداء على القوة الدولية في الجنوب يكشف مدى تضايق النظام السوري من القرار 1701 الذي أغلق جبهة جنوب لبنان في وجهه وفي وجه الذين يسيّرونه من طهران. لهذا قرر دفع أدواته من أجل التأكيد للأوروبيين أنه الوحيد الذي يحمي أمنهم وأمن قواتهم المنتشرة في الجنوب اللبناني وأن لا فائدة من تجاهله وتجاوزه في شأن كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بلبنان. بالنسبة إليه، لبنان يجب أن يظل "ساحة" يفاوض من خلالها أميركا واسرائيل على حساب اللبنانيين.
يتبين كلّ يوم بالملموس أن لبنان مقبل على أحداث كبيرة. وما فشل الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى في مهمته الأخيرة في بيروت سوى دليل آخر على أن الحرب على الوطن الصغير مستمرة. ستستمر هذه الحرب وتتوسّع ما دام المحور الايراني ـ السوري يعتقد أنه يحقق الانتصار تلو الآخر من العراق، إلى لبنان، إلى غزة. سيحقق هذا المحور مزيداً من الانتصارات في لبنان ولكن على حساب اللبنانيين وحساب كلّ ما هو عربي أوّلاً، وذلك على غرار الانتصار الذي تحقق إثر حرب الصيف الماضي والذي أعاد لبنان ثلاثين عاماً إلى خلف. سيسعى إلى تغطية جرائم أخرى مثل جريمة اغتيال وليد عيدو، أحد الذين ذنبهم الوحيد أنهم يؤمنون بلبنان العربي المزدهر ويرفضون أن يكون سلعة في لعبة شد الحبال التي يمارسها النظامان الايراني والسوري مع أميركا واسرائيل. إلى متى يستمر الظلم اللاحق بلبنان؟ إلى متى يستمر قتل اللبنانيين لذنب وحيد يتمثّل في أنهم يرفضون أن يكونوا أدوات في لعبة لا تستهدف سوى خدمة اسرائيل؟ مثل هذا الظلم لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. المحكمة الدولية خطوة أولى في الطريق الصحيح، في طريق جلب القتلة أمام قوس العدالة مهما طال الزمن ومهما ارتكبوا من جرائم جديدة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00