8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل تنقل "حماس" انتصارها الى الضفّة ؟

بعد الانتصار الكبير الذي حققته "حماس" على فلسطين والفلسطينيين والقضية الفلسطينية ووحدة الأرض الفلسطينية، يبدو واضحاً أنه لا يزال أمام الحركة الإسلامية خيار آخر غير خيار تحويل قطاع غزة الى بؤرة للإرهاب والإرهابيين. يتمثل هذا الخيار في العودة عن الخطأ والاعتراف بأن ما شهدته غزّة يشكّل أكبر خدمة يمكن أن تقدّم الى إسرائيل.
هل تمتلك "حماس" الشجاعة الكافية للإقدام على مثل هذه الخطوة التي لا يقدم عليها سوى الأحرار، أم أن الموضوع أكبر منها بكثير وأنّه مرتبط أساساً بكونها أداة للمحور الإيراني ـ السوري لا أكثر ولا أقل، تماماً كما الحال مع "حزب الله" في لبنان أو أدوات الأدوات مثل النائب المحترم، بالإيجار طبعاً، الجنرال ميشال عون أو عصابة شاكر العبسي في مخيّم نهر البارد في شمال لبنان. من يضرب مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، علماً بأنه ممثل فيها وجزء من الحكومة القائمة تحت مظلتها، لا يخدم سوى إسرائيل. ما الفارق بين تعاطي "حماس" مع السلطة الوطنية الفلسطينية الساعية الى التخلص من الاحتلال الإسرائيلي وبين ما يقوم به "حزب الله" الإيراني في لبنان الساعي بدوره الى التخلص من الحكومة الشرعية التي تعمل من أجل إنقاذ لبنان من الأفخاخ التي تحاول إسرائيل إيقاعه بها؟ من خدم إسرائيل في لبنان أكثر من "حزب الله" الذي افتعل حرب الصيف الماضي من أجل تمكين الدولة اليهودية من تدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية وتعطيل الحياة في البلد؟ من خدم إسرائيل أكثر من "حزب الله" الذي استكمل حرب إسرائيل على البنية التحتية وعلى الاقتصاد اللبناني بالاعتداء على الأملاك العامة والخاصة وسط بيروت لتأكيد أن لا أمان للمستثمر في لبنان وأن سلاح الحزب موجه الى صدور اللبنانيين وأرزاقهم أوّلاً وأخيراً وقبل أي شيء آخر... وأن هذا هو الهدف الحقيقي من المحافظة على هذا السلاح الميليشوي؟
لا شكّ ان ما حصل في غزّة مؤلم. ما حصل أعاد القضية الفلسطينية عشرات السنوات الى خلف. ما حصل كرّس القطيعة، ولو موقّتاً، بين غزة والضفة الغربية، علماً بأن ياسر عرفات، رحمه الله، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، حرص دوماً على الربط بين القطاع والضفة وربط موافقته على اتفاق أوسلو في العام 1993 من القرن الماضي بصيغة غزة وأريحا أوّلاً لتأكيد أن طموحات الشعب الفلسطيني لا تتوقف عند حدود غزة التي كانت في الجيب دوماً، خصوصاً أن اسرائيل كانت تسعى باستمرار الى التخلّص منها بأي طريقة من الطرق.
ارتكبت "حماس" خطأ تاريخياً بإقدامها على ما أقدمت عليه بما في ذلك نهب منازل "أبو عمار" وأمير الشهداء "أبو جهاد" وكل من له علاقة من قريب أو بعيد بالسلطة الوطنية والأجهزة الأمنية التابعة لها. وعلى رأس هؤلاء، يأتي بالطبع رئيس السلطة السيد محمود عباس (أبومازن) الرجل المسالم الذي قاوم كل من حاول تأجيل موعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي فازت فيها "حماس" بما مكّنها في بداية العام 2006 من تشكيل حكومة هي الأولى التي تشكلها حركة الاخوان المسلمين في العالم العربي منذ تأسيسها في العام 1928 من القرن الماضي. لتتحمّل "حماس" من الآن فصاعداً مسؤولية ما يحصل في غزة ومسؤولية الحصار المفروض على القطاع ومسؤولية إطعام الناس فيه وإيجاد فرص عمل لهم وتوفير حدّ أدنى من الخدمات للمواطنين... أم أن الحركة الأسلامية تعتقد أن الشعارات الحماسية كافية للقضاء على الفقر والبؤس والجوع والتخلف.
في المقابل، تترتب على السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة برئيسها بالذات، و"فتح"، مسؤوليات من نوع مختلف. ليس مطلوباً مواجهة "حماس" في غزة عسكرياً وأمنياً بغض النظر عن الجرائم التي ترتكبها، بمقدار ما أن المطلوب تحقيق فارق في الضفة الغربية وإظهار أن تجربة غزة كانت مفيدة أقلّه من ناحية واحدة. إنّها ناحية إظهار أن الفلسطينيين قادرون على أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم وأن يقيموا سلطة داخل دولة مستقلة بعيداً عن فوضى السلاح. لا مصلحة فلسطينية في الذهاب بعيداً في الرد على العمل الهمجي الذي ارتكبته "حماس"؟ يكفي التصرف بطريقة مختلفة في الضفة الغربية كي تعود غزة الى الحظيرة من دون جهد وعناء ودماء. هل في استطاعة السلطة الوطنية إقامة إدارة غير فاسدة في الضفة؟ هل يستطيع رجال "فتح" التخلي عن تلك الممارسات السيئة والمشينة التي جعلتهم يخسرون الانتخابات التشريعية الأخيرة؟ يكفي أن تكون الضفة بعيدة من فوضى السلاح والفساد بكل أنواعه وأن يتصرّف القيمون على الإدارات والمؤسسات المحلية بطريقة حضارية كي يسقط مشروع "حماس" من تلقاء نفسه. لا أفق لهذا المشروع الذي انطلق من غزة. إنه مشروع قائم على الغدر والتخلف بكل المقاييس، مشروع لا علاقة له بالعصر والحضارة، مشروع مرتبط بأجندة إيرانية ـ سورية لا ترى في الشعب الفلسطيني سوى وقود رخيص الثمن يستخدم في تغذية صراعات إقليمية لا علاقة له بها من قريب أو بعيد.
في حال نجاح السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومة الدكتور سلام فيّاض في مهمة تحويل الضفة الغربية، أي بقعة من الضفة، الى نموذج لما يمكن أن تكون عليه الدولة الفلسطينية، سيشكّل ذلك انتصاراً للشعب الفلسطيني على الاحتلال. لذلك، تبدو الأسابيع المقبلة في غاية الأهمية. إما ينتصر النموذج الفلسطيني الحضاري في الضفة وإما يكون مصيره الفشل. عندئذ، لن يكون مستغرباً أن تنقل "حماس" انتصارها في غزة الى الضفة... كي يكون تعميم للانتصار الإسرائيلي على طموحات الشعب الفلسطيني ونضالاته في كلّ أرض فلسطين!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00