إلى أين تتجه القضية الفلسطينية، في ضوء ما يشهده مخيّم نهر البارد في شمال لبنان، حيث تجارة مكشوفة بفلسطين والفلسطينيين يمارسها النظام السوري؟ كذلك، إلى أين تتجه القضية، في ضوء ما يدور في قطاع غزّة حيث تعتقد "حماس" أن في استطاعتها السيطرة كلّياً على القطاع وفرض نمط حياة معيّن على الشعب الفلسطيني؟ يخشى، في ظل ما يحدث في لبنان وفي غزة أن لا تعود هناك قضية...
لماذا الذهاب بعيدا في التشاؤم؟ لا لشيء سوى لأنّ ما يشهده مخيّم نهر البارد ليس سوى الجانب الظاهر من المخاطر التي تحيق بالقضية الفلسطينية ككل. لعلّ أخطر ما في الأمر أن ما يشهده هذا المخيّم نموذج لما يمكن أن يحصل في مخيّمات أخرى بهدف واضح يتمثّل في زج الفلسطينيين في حرب جديدة في لبنان. هل يتنبه الفلسطينيون إلى مخاطر مثل هذه الحرب في وقت بات في الإمكان القول إن الوضع في غزة يتدهور سريعاً في اتجاه حرب أهلية بكلّ معنى الكلمة؟.
في مثل هذه الأيّام وفي ظلّ الظروف الراهنة، يفترض في الجانب الفلسطيني ككلّ استيعاب أن هناك خطراً على القضية. على "حماس" قبل "فتح" اتخاذ المبادرة والإعلان أن ثمة حاجة إلى عملية نقد للذات بعيداً عن أي نوع من الحساسيات وأن لا بدّ من وقف التدهور في أسرع ما يمكن.
يشير التصرف الفلسطيني في لبنان إلى أن الفلسطينيين لم يتعلّموا شيئاً من دروس الماضي. لذلك من المفيد تذكيرهم بأن القضية لم تأخذ بعداً جديداً مختلفاً أدى إلى عودة ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني إلى أرض فلسطين، إلاّ بعد الخروج من الرمال المتحركة اللبنانية ومن أزقة بيروت والمدن اللبنانية الأخرى ومن الكذبة القائلة إنّ تحقيق إنجازات على أرض لبنان على حساب الشعب اللبناني، يعتبر خطوة في الطريق الصحيح إلى فلسطين.
هناك عامل مشترك يربط بين التورط الفلسطيني المتجدّد في لبنان، حتى ولو كان عدد لا بأس به من عصابة "فتح الإسلام" من غير الفلسطينيين من جهة وما يدور في غزة حيث تحاول "حماس" التفرّد بالسيطرة على القطاع عبر الميليشيات التابعة لها من جهة أخرى. يتمثّل العامل المشترك في الرغبة التي يظهرها الفلسطينيون مرّة أخرى بأنّهم لا يستأهلون دولة ولا يستطيعون إدارة مؤسسات لدولة. كلّ ما يفعله الفلسطينيون في لبنان وكلّ ما يفعلونه في غزّة يصبّ في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي. لدى هذا الاحتلال حجة يقدّمها إلى العالم لدعم رفضه الدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني بهدف إنهاء الاحتلال. تتلخص هذه الحجة التي يرددها غير مسؤول إسرائيلي بأن الانسحاب حصل من غزة، فماذا كانت النتيجة؟ هل تحسّنت أوضاع الفلسطينيين في القطاع، أم أن الفلسطينيين المتعلّمين من أبناء الطبقات الوسطى صاروا يهاجرون بكثرة منه؟.
من الثابت أنّ على رئيس السلطة الفلسطينية السيّد محمود عبّاس (أبو مازن)، كما على كلّ قيادي فلسطيني، في أي موقع كان وفي أي بلد كان، رفع الصوت والقول بالفم الملآن أن القضية الفلسطينية تتعرّض لأخطر مؤامرة تواجه هذا الشعب الصامد والصابر منذ ما يزيد على ستين عاماً. ما يحصل حالياً يتلخص بالسعي إلى إلغاء القضية الفلسطينية وإلغاء كل ما تحقق منذ إطلاق الرصاصة الأولى مطلع العام 1965 إضافة إلى توظيف الفلسطينيين في حروب لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد.
من يدفع الفلسطينيين إلى الاقتتال في غزّة ومن يحرّك المخيمات في لبنان يعمل لإسرائيل... يعمل لمصلحة الاحتلال. من يدفع في هذا الاتجاه يعتقد أن في استطاعته التأكيد للعالم أنه لاعب إقليمي وأن من دون تناسي جرائمه وتجاهلها، يتهدد خطر الحرب الأهلية لبنان. ومن دون غض النظر عن هذه الجرائم، في استطاعته حتى تحويل قطاع غزّة إلى "حماستان"، على غرار ما كانت عليه أفغانستان أيّام "طالبان".
هل تقبل "حماس" أن تكون مجرّد أداة في خدمة المحور الإيراني ـ السوري ورأس حربة لهذا المحور في فلسطين وأن يكون دورها في غزة استكمالاً لدور عصابة شاكر العبسي أو "فتح الإسلام" أو "القيادة العامة" لا فارق... في لبنان؟ يفترض في الحركة الإسلامية أن تعيد حساباتها وأن تأخذ في الاعتبار أن خريطة الشرق الأوسط يعاد رسمها من جديد استناداً إلى موازين القوى التي ولدتها الأوضاع الجديدة في العراق. إن انفراط دولة العراق، في شكلها السابق، وهي الدولة التي قامت بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطورية العثمانية، سيقود إلى خريطة جديدة للشرق الأوسط.
الأكيد أن تصرّف "حماس" بالطريقة التي تتصرف بها وسلوك العصابات، المسماة فلسطينية، في لبنان على طريقة "فتح الإسلام" لا يبشّران بالخير. الخوف كلّ الخوف أن تدفع فلسطين، البريئة من "فتح الإسلام"، مرة أخرى ثمن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، تماماً كما حصل في المرحلة التي امتدت من نهاية الحرب العالمية الأولى في العام 1918 حتى العام 1948، تاريخ إعلان دولة إسرائيل على أرض فلسطين.
كان ياسر عرفات، رحمه الله، يقول باستمرار إن القضية الفلسطينية ستنتصر لأنها صارت موجودة على الخريطة السياسية للشرق الأوسط. ومن وجد نفسه على الخريطة السياسية لا بدّ أن يجد نفسه عاجلاً أم آجلاً على الخريطة الجغرافية. من يفتعل حرباً أهلية في غزة ومن يشعل حرب مخيمات في لبنان يعمل من أجل القضاء على وجود القضية الفلسطينية على الخريطة السياسية للمنطقة. إنّه يعمل في الواقع في سبيل القضاء على أي أمل بقيام دولة فلسطينية مستقلّة. هل هذا ما تريده "حماس" ومن يقف خلفها؟، هل هذا ما يريده الذين يقفون وراء عصابة "فتح الإسلام" وما شابهها أو لفّ لفّها في لبنان؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.