8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

سمير قصير الذي سمح لنا أن نحلم

جاء إقرار مجلس الأمن التابع للأمم المحدة للمحكمة ذات الطابع الدولي، عشية الذكرى الثانية لاستشهاد الأخ والزميل سمير قصير. سمير اللبناني، العربي، السوري، الفلسطيني، الحالم بالحرية وبعالم عربي على تماس مع كل ما هو حضاري. الحالم بعودة بيروت مدينة الحضارة والتاريخ، بيروت منارة الشرق والعرب والمتوسط، بيروت رفيق الحريري، بيروت نزار قبّاني وليس بيروت المزبلة التي تسيطر عليها الميليشيات إرضاء للنظام السوري الحاقد على كل ما له علاقة بالتقدّم والتطور العلم والنهضة والحس الأنساني.
الآن يتأكد بالملموس كم كان سمير قصير على حق في كلّ ما قاله وكتبه. الآن يتأكد أن سمير قصير لم يكن الجرأة بعينها فحسب، بل كان يدرك أيضاً بنظرته الثاقبة الى تطور الأوضاع في المنطقة أنّ لبنان لا يمكن أن يستعيد وضعه الطبيعي ما دام تحت رحمة نظام متخلّف في دمشق يقمع شعبه بالطريقة التي يقمعه بها منذ ما يزيد على نصف قرن. كانت النكتة المتداولة بيني وبين سمير تتخّذ شكل السؤال الآتي: كيف تريد من نظام الوصاية السوري أن يعاملنا بطريقة أفضل من تلك التي يعامل بها شعبه؟
تحية الى سمير قصير في الذكرى الثانية لاستشهاده، تحية الى ذلك الذي كان يعرف أن العدالة ستقتصّ عاجلاً أم آجلاً من القتلة والمجرمين الذين اختاروا تصفيته بعد ثلاثة أشهر ونصف شهر من اغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما، انتقاماً من الدور الذي لعبه سمير في حشد اللبنانيين خلف الثورة الاستقلالية ووضع الشعارات الواضحة لما سمّاه "استقلال 2005". فعل ذلك كي لا يضيّع اللبنانيون البوصلة. دفع سمير قصيرثمناً غالياً للدور الأساسي الذي لعبه في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري عندما رسم معالم الطريق أمام ثورة الاستقلال التي أجبرت النظام السوري على الإنسحاب عسكرياً من لبنان في نيسان ـ ابريل من العام 2005، في أنتظار اليوم الذي سينسحب فيه أمنياً وهو ليس ببعيد في ضوء أقرار المحكمة ذات الطابع الدولي.
كان سميرالأكثر جرأة بين الذين قاوموا نظام الوصاية يشقّيه السوري واللبناني. رفض أن ينحاز سوى الى لبنان واللبنانيين وسوريا والسوريين وفلسطين والفلسطينيين. كان عشية اغتياله الأكثر تفاؤلاً بيننا. لم يكن يدرك أن آلة القتل التي حاولت التخلص من مروان حماده والتي فجّرت رفيق الحريري، رمز العروبة الصادقة، ستستهدفه. كان مُقنعاً بتفاؤله ومقتنعاً به الى درجة حالت دون أن يتجرّأ أي من الذي كانوا معه عشية الجريمة من القول أمامه أن المعركة مع نظام الوصاية وأدواته لا تزال طويلة وأن خروج الجيش السوري من الأراضي اللبنانية لا يعني أن العروبيين والاستقلاليين الحقيقيين الذين يرفضون أيّ نوع من أنواع العمالة أو أي شكل من أشكالها باتوا في مأمن من القتلة. دفع سمير قصير ثمن اعتقاده بأن قضية الحرية والسيادة والاستقلال في لبنان أنتصرت وأن ربيع بيروت لا يمكن الاَ يعم لبنان كله وسوريا كلّها. كان يؤمن بأن فلسطين تتحرر عن طريق مواجهة العدو الإسرائيلي حضارياً قبل أي شيء آخر. كان يعتقد أن الصيغة اللبنانية المستندة الى الديموقراطية والتعددية تمثّل التحدي الأكبر لدولة عنصرية ذات مجتمع مريض.
جعلنا سمير قصير نحلم. لم يخف سعادته اللامتناهية بالسفر من مطار بيروت في شهر أيّار الى البحر الميت في الأردن لحضور المنتدى الأقتصادي العالمي من دون حسيب أو رقيب، خصوصاً من دون رقابة ذلك الجهاز الأمني اللبناني بالأسم والسوري الإنتماء الذي كُلف ملاحقته ومراقبته منذ آذار من العام 2001 . كان يحلم بلبنان حر سيّد مستقلّ وليس بلبنان "الساحة" التي يسعى من خلالها النظامان في سوريا وإيران الى التفاوض مع "الشيطان الأكبر" الأميركي وابتزازه وتقديم كلّ الخدمات التي يتمناها "الشيطان الأصغر" الإسرائيلي في الوقت ذاته.
كانت أهمية سمير قصير تكمن في أنّه كان يفرّق بين من يقاتل إسرائيل فعلاً ومن الذي يخدمها في واقع الأمر. كان يعرف أن ياسر عرفات استطاع التقدم خطوة في اتجاه قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعدما أفلت من قبضة النظام السوري وبعدما آمن بالقرار الفلسطيني المستقل الذي عاد الخطر يتهدده الآن... وقد دفع ياسر عرفات حياته ثمناً للقرار الفلسطيني المستقل، المستقل عن تدخلات المحور الإيراني ـ السوري أوّلاً.
مرّة أخرى، تحية الى سمير قصير في الذكرى الثانية لاستشهاده. تحية الى كل الشهداء الذين سمحوا لنا بأن نحلم بالحرية والسيادة والاستقلال وأن يتحول الحلم، مع إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي، الى بداية حقيقة بعدما بدا في مرحلة معينة أنه مستحيل. على رأس الشهداء رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميل والعشرات من الذين واجهوا نظام الوصاية بأدواته الظاهرة وغير الظاهرة، أدواته الجديدة والقديمة، وكلّها أدوات مستأجرة لا همّ لها سوى القضاء على أيّ أمل في عودة الحياة الى لبنان... وإلى بيروت تحديداً.
أخيراً، تحية الى جيزيل خوري، جيزيل سمير قصير، تلك المرأة الصامدة التي صارت رمز الوفاء لكلّ القيم التي نادى بها سمير واستشهد من أجلها. قيم ذات علاقة بالحق والعدالة من أجل مستقبل أفضل لكل لبناني وسوري وفلسطيني وعربي... من أجل أن يعمّ ربيع بيروت كلّ لبنان وكلّ المنطقة العربية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00