8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لقاء بغداد بين الحسابات الإيرانية والأميركية

كان اللقاء الأميركي ـ الإيراني في بغداد حدثاً في غاية الأهمّية، اقله لجهة أنّه الأول من نوعه بين البلدين على هذا المستوى منذ أنقطاع العلاقات بينهما في العام 1980 من القرن الماضي. لم يعد سراً أن العراق يمثل قاسماً مشتركاً بين الجانبين. كانت إيران الدولة الوحيدة في المنطقة التي ساعدت الجيش الأميركي في عملية احتلال العراق عن طيبة خاطر. قدّمت إيران كلّ التسهيلات التي طلبها الأميركيون من اجل تحقيق حلمها التاريخي المتمثّل في الإنتقام من صدّام حسين ونظامه. ولم تكن طهران بعيدة عن الإسراع في إعدام صدّام وأخيه برزان، بالطريقة الوحشية التي أعدما بها قبل أشهر قليلة، بعد ادانتهما في قضية مرتبطة بها مباشرة، هي قضية الدجيل، البلدة التي تعرض فيها الرئيس العراقي الراحل لمحاولة اغتيال كانت السلطات الإيرانية تقف خلفها. حصل ذلك على يد عناصر من "حزب الدعوة" الشيعي الذي يتولى أحد أعضائه البارزين نوري المالكي رئاسة الوزراء حالياً. ولا بدّ من الإشارة هنا الى أن محاولة الإغتيال التي تعرّض لها الرئيس العراقي المخلوع، جاءت بعد سنتين من اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية في العام 1980، حين كان برزان لا يزال مديراً للمخابرات. وقد أعدم الأخير بعد أعدم صدّام بسبب ملاحقته أعضاء "حزب الدعوة" الذي حظّر نشاطه وصار الإنتماء إليه جريمة عقوبتها الإعدام على غرار ما حصل في سوريا مع "الأخوان المسلمين" في الفترة ذاتها.
لم تتردد الإدارة الأميركية في تلبية الطلب الإيراني الذي غُلّف بالرغبة التي أبداها "حزب الدعوة" وغيره بالإنتقام. وكان إعدام الرئيس العراقي المخلوع وأخيه بمثابة إشارة أميركية الى طهران بأن شعرة معاوية لم تنقطع بين الجانبين وأن في الإمكان التحاور في شأن مستقبل العراق بدل استمرار المواجهة. أكثر من ذلك، يبدو أن الأميركيين، أرادوا من خلال سماحهم بإعدام صدّام وبرزان إبلاغ الإيرانيين استعدادهم لأخذ المصالح الإيرانية في العراق في الاعتبار.
يبدو واضحاً، بعد اللقاء الأخيرفي بغداد أن الخلاف بين الجانبين لا يزال على حاله، لا لشيء سوى لأنّ لكلّ من الجانبين حساباته الخاصة. تعتقد واشنطن أن في استطاعتها حمل النظام الإيراني على اعتماد سياسة أكثر اعتدالاً في المنطقة، خصوصاً في العراق، بمجرد التأكيد له أنها لن تتجاهل مصالحه في هذا البلد، الذي كان عربياً الى ما قبل فترة قصيرة. وهذا يعني بطبيعة الحال محاولة لتهدئة الداخل الأميركي الذي بدأ يتململ من استمرار التورط في العراق وكلفته الكبيرة على كلّ الصعد. في المقابل، تعتقد طهران أن في استطاعتها الرهان على الوقت وأن فتح حوار مع إدارة أميركية ضعيفة سيسمح لها بمتابعة جهودها الهادفة الى تكريس الدور الإقليمي لإيران على حساب كلّ ما هو عربي في الشرق الأوسط، من الخليج الى المحيط. ولذلك تستمرّ الهجمة الإيرانية على كلّ الجبهات من منطلق أن الأميركيين باتوا في العراق بين فكيّ كماشة الإرهاب السنّي الذي يدعمه النظام السوري ويغذّيه من جهة والإرهاب الذي تتولّى الميليشيات التابعة للأحزاب الشيعية نشره في كل أنحاء العراق بغية إقامة نظام عراقي تابع مباشرة لطهران من جهة أخرى.
في مرحلة معيّنة، التقت المصالح الأميركية والإيرانية في العراق. كان هناك قاسم مشترك يتمثّل في الإنتهاء من نظام صدّام حسين العائلي ـ البعثي المتخلّف الذي لدى طهران ثأر تاريخي عليه. إضافة الى ذلك، كان العراق، بموجب الصيغة التي رافقت تأسيس الدولة مطلع العشرينات من القرن الماضي، حاجزاً في وجه التمدد الإيراني في المنطقة العربية. وثبت ذلك في كلّ العهود التي مرّ فيها العراق، حتى يوم سقوط بغداد في التاسع من نيسان ـ ابريل 2003.
لا شكّ أن النظام الإيراني عرف، بدهائه المعهود، الإستفادة من الإحتلال الأميركي للعراق، وعمل على تسهيله. ما كان لمؤتمر لندن للمعارضة العراقية الذي أقرّ مبدأ "الأكثرية الشيعية" في العراق، فضلاً عن صيغة "الفيديرالية" لينعقد لولا الدعم الإيراني له. الأجهزة الإيرانية هي التي أتت بالسيّد عبد العزيز الحكيم وغيره من القياديين في الأحزاب الشيعية الى لندن، علماً أن الإدارة الأميركية كانت وراء تنظيم المؤتمر.
تبدو الحسابات الإيرانية واضحة كلّ الوضوح. حوار مع الأميركيين في العراق... ومتابعة الضغط عليهم بكلّ الوسائل المتاحة، خصوصاً بالإرهابين السني والشيعي، وهما وجهان لعملة واحدة. والأهم من ذلك كلّه استغلال الحوار لتكريس واقع جديد يؤكد أن المنطقة تحت الهيمنة الإيرانية. لو لم يكن الأمر كذلك، كيف يمكن تفسير التدخل الوقح في شؤون لبنان عن طريق دعم كل ما يمكن أن يكرّس "الجزر الأمنية" المسيطر عليها إيرانياً وسورياً، بدءاً بـ"حزب الله" وانتهاء بـ"فتح ـ الأسلام"؟ كيف يمكن فهم كلّ هذا التورط في فلسطين الى جانب "حماس" و"الجهاد الأسلامي" بهدف واضح كل الوضوح هو القضاء على السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى ما بقي منها، على الأصحّ؟ كيف يمكن فهم التورط في أحداث صعدة ذات الطابع المذهبي في اليمن، حيث هناك دعم لتمرد لا هدف له سوى إثارة حساسيات من النوع المطلوب، إيرانياً، أن تنتشر في كلّ أنحاء الجزيرة العربية؟
في حال لم تتغيّر الحسابات الإيرانية، وفي حال لم تجد طهران طريقة لإقناع العالم بأنها لا تسعى الى امتلاك السلاح النووي، يبدو اللقاء الأخير الذي أنعقد في بغداد مضيعة للوقت ليس إلاّ. إنه مجرّد محطة على طريق لن تنتهي إلاّ بمواجهة بين القوة العظمى الوحيدة في العالم التي وجدت نفسها في مأزق اسمه العراق وقوة أخرى اسمها إيران تعتقد أن في استطاعتها الرهان على الغباء السياسي الأميركي الى النهاية وهي لا تدرك أنّ لكلّ شيء نهاية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00