8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

من وسط بيروت إلى نهر البارد

هناك خيط غليظ يربط كل الأحداث التي شهدها لبنان منذ جريمة التمديد للرئيس إميل لحود في أيلول (سبتمبر) من العام 2004 وانتهاء بما يدور في هذه الأيام في مخيم نهر البارد الفلسطيني وبتفجيري الأشرفية وفردان في بيروت. المجرم واحد. إنه قاتل رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما... وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميل. إنه المجرم نفسه الذي حاول اغتيال الوزيرين مروان حمادة والياس المر والزميلة مي شدياق والضابط في قوى الأمن الداخلي سمير شحادة. إنه نفسه الذي فجّر في بيروت وجونية وبرمانا وعين علق، إنه نفسه الذي دفع بـ"حزب الله" و"أمل" إلى الخروج من الحكومة، وهو الذي شجع "حزب الله" على افتعال حرب الصيف الماضي التي سمحت لإسرائيل بتدمير لبنان. ولما توقفت إسرائيل عن التدمير بفضل صمود الحكومة اللبنانية أولاً بما سمح بصدور القرار الرقم 1701، جاء الاعتصام في وسط بيروت بغية تعطيل الحياة الاقتصادية في الوطن الصغير. ولمّا فشل الاعتصام، أبقي على مخيم البؤس بغية القول للبنانيين إن المطلوب استمرار عملية التدمير المنظمة لمشروع الإنماء والإعمار.
لا يمكن بالطبع، في السياق ذاته، تجاهل الحملة الكبيرة التي شنها "حزب الله" في الثالث والعشرين والخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) الماضي التي استهدفت وضع اليد على لبنان عن طريق وضع اليد على كل بيروت والمناطق المحيطة. ما حال دون ذلك سقوط الأداة المستأجرة التي أسمها ميشال عون في المناطق المسيحية من جهة، ومخاوف "حزب الله" من الذهاب إلى النهاية في الفتنة الشيعية ـ السنّية التي زرع بذورها من جهة أخرى. خاف "حزب الله" من امتداد الفتنة المذهبية التي افتعلها لأن النظام الإيراني وجد أن لا مصلحة له فيها فأوقفها ولو موقتاً من دون أن يوقفها تماماً...
يبدو أن اقتراب موعد الإعلان عن قيام المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستنظر في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الأخرى، دفع بالنظام السوري إلى الخروج عن طوره وكشف أوراقه، وإحداها عصابة "فتح ـ الإسلام"، بهذه الطريقة الفظة بهدف واضح. يتمثل الهدف في تأكيد أن لبنان لن تقوم له قيامة في حال إقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إنشاء المحكمة. المؤسف أن أطرافاً لبنانية تغطي الجرائم السورية فيما لبنان مهدد مرة أخرى بحروب جديدة يخوضها الآخرون على أرضه.
نعم لبنان مهدّد لأن رئيس الجمهورية الممددة ولايته قسراً يستغل أحداث مخيم نهر البارد وتفجيري الأشرفية وفردان ليدعو إلى قيام حكومة وحدة وطنية، أي إلى تعطيل الحياة السياسية في البلد وخلق فراغ يحول دون وجود مرجعية وطنية شرعية حرة ومستقلة للمحكمة ذات الطابع الدولي. يفعل ذلك وكأنه يريد القول إن الجرائم والتفجيرات ستستمر في غياب ما يسميه حكومة وحدة وطنية، أي حكومة الشلل الوطني بالثلث المعطل التي يهدّد فيها "حزب الله" وأدواته المبتذلة من أمثال ميشال عون بالاستقالة، أي بفرط الحكومة في حال لم تلبَ مطالبهم. لبنان مهدّد ما دام "حزب الله" يقف موقفاً محايداً من اعتداء عصابة "فتح الإسلام" السورية على الجيش اللبناني وما دام يعتبر في قرارة نفسه أن أحداث مخيم نهر البارد امتداد لاعتصامه في وسط بيروت، وأن الهجوم على الجيش اللبناني يمكن أن يحقق له ما فشل في تحقيقه عبر خيام البؤس، ثم التراجع عن النقاط السبع التي أقرّها مجلس الوزراء واتهام الحكومة، التي لا يعترف بها، بالتقصير في دفع التعويضات للذين تسبب بتدمير منازلهم!.
لبنان مهدّد أيضاً عندما يكون هناك رئيس لمجلس النواب لا يكتفي بإغلاق المجلس وتعطيل دوره فحسب، بل يمتنع أيضاً عن اتخاذ موقف لا لبس فيه من الاعتداء على الجيش اللبناني. هل يتذكر الرئيس نبيه بري حرب المخيمات التي خاضتها "أمل" في منتصف الثمانينات من القرن الماضي؟.
أخيراً، ليس مسموحاً لأي فلسطيني إضافة كلمة "ولكن" لدى الحديث عن "فتح الإسلام". واجب الفلسطينيين اجتثاث هذه الظاهرة. واجب أهل المخيمات التصدي لها. كلمة "ولكن" يجب أن تحذف من القاموس الفلسطيني لدى التطرق إلى ظاهرة "فتح الإسلام". لبنان يعرف أن المطلوب تفجير الوضع على أرضه وألا ينعم اللبنانيون بصيف هادئ... لا لشيء سوى لأن النظام السوري يخشى المحكمة ذات الطابع الدولي.
يفترض بأي فلسطيني، أكان في لبنان أو خارجه أن يستوعب أن خطر ظاهرة "فتح الإسلام" على قضيته أكبر بكثير من أي خطر آخر ولا يمكن مقارنتها سوى بالخطر الإسرائيلي. يستأهل لبنان ولو لمرة واحدة أن يقف الفلسطينيون معه من دون مواربة وتردّد!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00