ستكون الأسابيع المقبلة من النوع الخطر على لبنان، خصوصاً أن جهوداً ضخمة ستبذل مجدداً، ولكن من دون طائل، لمنع قيام المحكمة ذات الطابع الدولي. مرة أخرى لا بدّ من التساؤل: من يخشى المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والشهداء الآخرين الذين أمتدت اليهم يد الغدر؟ من يخشى المحكمة التي يفترض أن يمثل أمامها المتهمون بالجرائم التي شهدها لبنان بدءاً بمحاولة اغتيال الوزير مروان حماده مروراً باغتيال الزميل والحبيب سمير قصير وانتهاء ببيار أمين الجميل الوزير والنائب وقبل أي شيء آخر رمز تمسك الشباب اللبناني بأرضه ورفضه الهجرة، مروراً بالمناضل العربي جورج حاوي والزميل جبران تويني الذي كتب بدمه وثيقة الاستقلال الثاني؟
من يخشى المحكمة هو ذلك الطرف الذي يحاول زعزعة الوضع الداخلي في لبنان عن طريق استخدام أدواته لخلق فتنة مذهبية اكتشف أنّها سترتد عليه وعلى حليفه الإيراني، فلجأ الى تشجيع الاعتصام في وسط بيروت لتأكيد أن البلد لن تقوم له قيامة مستكملاً بذلك الحرب الإسرائيلية المدمّرة التي استهدفت لبنان. يفعل ذلك من أجل الحؤول دون إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستقتص من المجرمين الذين لم يدركوا بعد، وربّما لن يدركوا يوماً، أن الظروف الاقليمية والدولية واللبنانية تغيّرت وأن أغتيال رفيق الحريري لن يمر على غرار الجرائم الضخمة التي شهدها لبنان منذ اغتيال كمال جنبلاط في العام 1977. مرّت تلك الجرائم التي شملت اغتيال رئيسين منتخبين لجمهورية هما بشير الجميّل ورينيه معوّض مرور الكرام. كان هناك استعداد دولي لتغطية المنفذّين خصوصاً أن لبنان كان متروكاً تحت الوصاية السورية ومتروكاً "ساحة" للنظام السوري يصفّي فيها حساباته مع الآخرين، معتقداً أنّ وجوده في لبنان سيسمح له بلعب دور أقليمي على كلّ الصعد.
ولّى الزمن الذي كان فيه النظام السوري لاعباً اقليمياً يشتري ويبيع في كلّ الاتجاهات. وبكلام أوضح، دخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة يتوجب فيها على كلّ دولة معرفة حجمها الحقيقي. لا يكفي أن يدعي النظام السوري أنّه لاعب أساسي في العراق، كي تقتنع الإدارة الأميركية بأن عليها الاستعانة به من أجل الخروج من المأزق الذي أوجدته لنفسها. في النهاية، يستطيع النظام السوري التخريب في العراق. لكنه لا يستطيع لعب دور عامل الاستقرار في البلد الجار الذي تكفّل الغباء السياسي الأميركي بأدخاله في آتون الحرب الأهلية. إذا لم تكن الأحداث التي يشهدها العراق عموماً وبغداد خصوصاً دليلاً على استعار الحرب الأهلية، فما هي إذاً الحرب الأهلية، وما هو التفسير الآخر المتعارف عليه للحرب الأهلية؟.
ليس أمام النظام السوري سوى القبول بالمحكمة ذات الطابع الدولي. إن تهديداته بافتعال حرب أهلية في لبنان لا تنفع. إنّه أضعف بكثير مما يعتقد. أكثر من ذلك إن أدواته اللبنانية باتت مُستنفدة. باختصار شديد، إن رئيس الجمهورية أميل لحّود الممدة ولايته تحت التهديد لا يستطيع تشكيل حكومة أخرى الى جانب الحكومة الشرعية التي يرأسها الرئيس فؤاد السنيورة. أما "حزب الله"، الحزب المذهبي، الذي يكتشف اللبنانيون يومياً أفضاله عليهم عبر تعطيل الحياة وسط بيروت انتقاماً من كلّ ما يمت للحضارة بصلة، فهو متردد في دخول حرب ذات طابع مذهبي. أفلس "حزب الله" سياسياً ولبنانياً عندما تبيّن له أن في استطاعته احتلال بيروت عسكرياً، لكن ثمة ثمناً لمثل هذا العمل يتمثل في الدخول في مواجهة مع كلّ الطوائف الأخرى على رأسها السنّة. انتهى "حزب الله" عندما وجّه سلاحه الى اللبنانيين الآخرين وعندما لم تعد أداوته وعلى رأسها النائب ميشال عون قادرة على النزول الى الشارع في المناطق المسيحية. كلّ ما في استطاعة هذه الأدوات عمله الانضمام الى عملية نشر البؤس في بيروت عن طريق إبقاء المخيم الذي يهدد العيش المشترك بين اللبنانيين والذي يساعد في هجرة الشباب اللبناني من بلده...
لأن الأدوات اللبنانية أفلست، أفلست سياسياً وليس مالياً بالطبع، صار النظام السوري في وضع صعب. قد يدفعه ذلك الى ارتكاب جريمة أخرى تندرج في سياق سلسلة الجرائم التي أرتكبها في لبنان منذ بدأ بارسال الأسلحة ألى المنظمات الفلسطينية في بداية السبعينات. إن الخوف كلّ الخوف من عمل مجنون يستهدف الحكومة اللبنانية نظراً الى أنّها مرجعية المحكمة الدولية. إنّه نظام بائس ويائس في آن غير قادر على استيعاب معنى فشله في تنظيم انتخابات نيابية يقبل المواطن العادي المشاركة فيها. يمكن لهذا النظام أن يقدم على مغامرة جديدة خالطاً مرة أخرى بين السياسة والمقامرة. لذلك يُفترض في اللبنانيين اعتماد الحذر الشديد في هذه الأيام الصعبة التي يقترب فيها موعد الإعلان عن قيام المحكمة ذات الطابع الدولي. إنها المحكمة التي ستأتي لتؤكد أن لا جرائم من دون عقاب بعد الآن في لبنان، وأن جريمة اغتيال رفيق الحريري في حجم جريمة احتلال صدّام حسين للكويت!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.