8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بول ولفويتز الذي انتهى حيث لا يجب...

استقال بول ولفويتز رئيس البنك الدولي من منصبه أم لم يستقل، ليست تلك المسألة. كلّ ما في الأمر أن ضرراً كبيراً لحق بالرجل الآتي الى البنك الدولي من وزارة الدفاع الأميركية حيث كان يحتل الموقع الثاني بعد الوزير المستقيل دونالد رامسفيلد. لم يعد مهمّاً أن يعتذر ولفويتز من موظفي البنك الدولي بعدما اكتشفوه على حقيقته من خلال الميزات التي استطاع توفيرها لصديقته الأميركية من أصل ليبي واسمها شاهة علي رضا. نقل ولفويتز الصديقة الى وزارة الخارجية براتب كبير بحجة أنّه على علاقة بها وأنّ ليس في الأمكان تركها في مؤسسة يشرف بنفسه عليها. من الناحية النظرية، كان موقف ولفويتز سليماً، نظراً الى أن ليس صحّياً أن تكون هناك علاقة عاطفية بين الرئيس والمرؤوس في مؤسسة دولية مثل البنك الدولي. لكن مشكلة الرجل الثاني في وزارة الدفاع الأميركية، سابقاً، تكمن في أنّه استخدم ما لديه من نفوذ كي تحصل شاهة على راتب سنوي صافٍ، أي من دون الضرائب، يقترب من مئتي الف دولار. انّه راتب مهم بالمقاييس المعتمدة في الإدارة الأميركية. الأكيد أن هذا الراتب ليس شيئاً مقارنة مع ما يدفعه القطاع الخاص لموظفيه، لكنّ ما فعله ولفويتز أدى الى ثورة عليه داخل البنك الدولي.
ما حصل يكشف الشخصية الحقيقية لبول ولفويتز. رجل ينادي بالعفاف وبالسعي الى وقف الفساد ومكافحته في كلّ أنحاء العالم من جهة، ثم يتبيّن انّه على استعداد للذهاب بعيداً في استخدام نفوذه من أجل تأمين منصب في وزارة الخارجية الأميركية لصديقته من جهة أخرى. يبدو بكلّ بساطة أن ولفويتز مع مكافحة الفساد حين يروق له ذلك وهو متساهل مع كلّ ما له علاقة بالفساد حين يكون الأمر متعلّقاً به شخصياً أو بأجندته السياسية. لا حاجة للذهاب بعيداً من أجل تأكيد ذلك، خصوصاً أن الحدث العراقي، الذي تورّط فيه ولفويتز الى ما فوق أذنيه، لم يمرّ عليه الزمن بعد. كان ولفويتز العرّاب الحقيقي لشخص اسمه أحمد الجلبي استطاع إقناع الأميركيين بأنّهم سيُستقبلون بالورود في العراق وأن مجرّد دخولهم العسكري الى العراق سيؤدي الى سقوط نظام صدّام حسين وأن العراق سيتحوّل بعد ذلك الى دولة ديموقراطية تكون نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه دول المنطقة في شرق أوسط جديد!
نعم كان الدخول الأميركي الى العراق مغامرة سهلة، أقلّه في البداية. سقط نظام صدّام، الذي لا يمكن الدفاع عنه في أي شكل، بأسهل مما يعتقد. ولكن أين مشروع بناء العراق الديموقراطي؟ أين العراق المرشّح لأن يكون نموذجاً لدول المنطقة الأخرى على رأسها تلك التي لديها حدود مشتركة مع العراق. كان الفشل الأميركي كبيراً في العراق الى حدّ أنّ السوريين العاديين باتوا يشكرون الله على وجود النظام القمعي الطائفي المتخلّف في بلدهم بدل أن يحلّ بهم ما حلّ بالعراق والعراقيين.
يبدو ما فعله بول ولفويتز في البنك الدولي مخالفة لا تستحق التوقف عندها مقارنة بما فعله في العراق. ومع ذلك، اعتذر رئيس البنك الدولي عن تدخلّه من أجل صديقته ولم يعتذر عن الجريمة الكبرى المرتكبة في العراق وكان بين الذين تسبّبوا بها! كان لا بدّ من التخلّص من صدّام حسين ونظامه... ولكن كان لا بد في الوقت ذاته من التفكير في مرحلة ما بعد صدّام وفي ما ستؤول إليه الأوضاع في العراق بعد التخلّص من النظام العائلي ـ البعثي الذي لعب دوراً أساسياً في تفكيك النسيج الاجتماعي للبلد. كان همه محصوراً في إسقاط النظام العراقي من دون أن يعي أن إيران ستكون المنتصر الأوّل والوحيد من المغامرة الأميركية في العراق. الأكيد ان ولفويتز لم يعتذر الى الآن عن فعلته العراقية التي هي أقرب الى جريمة في حقّ العراقيين والأميركيين وكلّ أهل المنطقة أكثر من أي شيء آخر. اللهم الاّ اذا كان الهدف الأصلي من احتلال العراق تقسيم البلد على أسس طائفية ومذهبية وقومية تمهيداً لتقسيم المنطقة كلّها وإعادة رسم خريطتها. هل هذا ما ابتغاه ولفويتز وهل هذا السبب الذي يحول دون اعتذاره؟
في الاجتماع الأوّل الذي عقده كبار المسؤولين الأميركيين بعد أحداث الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر 2001، تفرّد بول ولفويتز في الدعو الى الرد على إرهاب "القاعدة" في العراق. اعترض وقتذاك وزير الخارجية كولن باول الذي تساءل عن علاقة العراق بما تعرضت له نيويورك وواشنطن. سكت ولفويتز نظراً الى أنّ لا رابط حقيقياً بين العراق وبين أحداث الحادي عشر من أيلول. ولمّا سُئل لاحقاً لماذا اثار هذه المسألة، كان جوابه أنه "زرع بذور" التدخل الأميركي في العراق. استطاع الرجل الذي كان نائباً لوزير الدفاع جرّ بلاده الى حرب العراق... تلك الحرب التي سيتبيّن يوماً أنّها اعادت تشكيل الشرق الأوسط. وبغض النظر عن نتائج الاحتلال الأميركي للعراق في المدى الطويل وما إذا كانت واشنطن ستستفيد من حربها على العراق، يظلّ السؤال الأساسي: من يتحملّ المسؤولية عن مقتل ما يزيد على ثلاثة آلاف جندي أميركي في العراق، أقلّه الى الآن. ولماذا قُتل هؤلاء؟ ألا يستحق الضحايا وذووهم اعتذارا من بول ولفويتز؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00