8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

من لبنان إلى الجولان هذه المرة...

ليس عيباً أن تسعى سوريا إلى استعادة أرضها المحتلة حتى لو كان ذلك عبر مغترب في أميركا، أو في غير أميركا، أي تحت مسمّى من هنا أو هناك أكان اسمه ابراهيم سليمان أو أي شيء آخر شبيه بالاسم أو غير شبيه به. من أجل استعادة الأرض، يحق لسوريا ولأي نظام فيها استخدام كل الوسائل المتوافرة شرط ألاّ يكون ذلك على حساب الآخرين بما في ذلك لبنان. العيب، كلّ العيب، في أن يعتقد النظام في دمشق بأنّ في الإمكان استعادة هذه الأرض عن طريق إبقاء جبهة الجنوب اللبناني مفتوحة كي يظل لبنان ينزف في انتظار أن يعقد صفقة مع أميركا واسرائيل على حساب لبنان واللبنانيين، صفقة تؤذي سوريا والسوريين في نهاية المطاف.
نعم من حق سوريا العمل على استعادة أراضيها المحتلة منذ أربعين عاماً حين كان الرئيس الراحل حافظ الأسد لا يزال وزيراً للدفاع. فقدت سوريا الجولان في تلك المرحلة حين كان النظام البعثي فيها يعتقد أن المحافظة على النظام أهمّ بكثير من المحافظة على الأرض وأن اسرائيل فشلت في حرب 1967 لأنّها لم تستطع إسقاط النظام في حين أنها احتلت الأرض فقط. كان ذلك بالنسبة إلى النظام البعثي إنجازاً في حدّ ذاته بعدما كان أهل النظام، بينهم وزير الخارجية ابراهيم ماخوس، يقولون في الأيام التي سبقت اندلاع الحرب يوم الخامس من حزيران أنّ اسرائيل "وقعت في الفخ" وأنّها "إلى زوال". ماخوس نفسه جمع العاملين في وزارة الخارجية بعد الحرب ليتحدّث عن الانجاز الذي تحقق والمتمثل في عدم سقوط النظام "الوطني". والحقيقة ان اسرائيل نجحت على جبهتين. احتلت الأرض من جهة وحافظت على النظام من جهة أخرى من أجل أن تتعرض سوريا لمزيد من التخلّف والاذلال وكي تبقى أسيرة الشعارات التي تحول دون تمكّنها من استعادة الأرض المحتلة يوماً.
استطاع حافظ الأسد، الذي كان من دون أدنى شك رجلاً مهمّاً يمتلك عقلاً استراتيجياً، الانقلاب على القيادة التي كان جزءاً منها والتي كانت تعتبر مسؤولة بشكل مباشر عن هزيمة العام 1967. أخرج نفسه من دائرة المسؤولية عن الهزيمة ووضع نفسه في موقع جديد هو موقع الإصلاحي المعتدل الرافض للفكر اليساري المتزمت للبعث، أي للفكر الذي نادى به صلاح جديد ويوسف زعيّن وابراهيم ماخوس وأمثالهم. استطاع حافظ الأسد الانفتاح على المحيط العربي، خصوصاً على مصر أنور السادات وعلى المملكة العربية السعودية وسعى الى الظهور في مظهر القادر على انتهاج سياسة متوازنة بين الشرق والغرب وأن يكتفي باتفاق فك الاشتباك مع اسرائيل الذي وقعته بلاده في العام 1974 نتيجة حرب تشرين 1973.
لعب حافظ الأسد ورقة الاعتدال العربي ولم يحصل طلاق بينه وبين أنور السادات إلاّ في خريف العام 1977 عندما قرر الرئيس المصري زيارة القدس المحتلة وإلقاء خطاب في الكنيست. وقتذاك، رأى الأسد الأب أن عليه تغيير تحالفاته العربية وحصل تقارب موقت بينه وبين خصمه اللدود الذي كان يتمثل في البعث العراقي الذي كان برأسين تكريتيين. رأس أحمد حسن البكر ورأس صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة. لم يستمر شهر العسل بين دمشق وبغداد طويلاً، خصوصاً مع وصول صدّام إلى الرئاسة في العام 1979. لكن حافظ الأسد استطاع الخروج لاعباً أساسياً في اللعبة الاقليمية مستفيداً من الغياب العربي لمصر ـ السادات من جهة ومن الحاجة العربية المستمرة إليه لاقامة توازن مع عراق ـ صدّام من جهة أخرى. وفي كلّ المراحل التي مرّ فيها عهد حافظ الأسد الذي استمر بين العامين 1970 و2000 ، كان لبنان التعويض الفعلي عن خسارة الجولان. وقد لعب لبنان، خصوصاً منذ العام 1976، تاريخ دخول القوات السورية إلى أراضيه دوراً أساسياً في تكريس النظام السوري لاعباً إقليمياً مهماً على استعداد دائم لتناسي مسألة احتلال الجولان في مقابل اطلاق يده في لبنان. تلك كانت ميزة نظام حافظ الأسد التي انتهت بوفاته. هل تسري هذه الميزة على نظام نجله الدكتور بشّار؟ في حال كان من نصيحة يمكن تقديمها للنظام السوري الحالي، فإن هذه النصيحة تتلخّص بأن العالم تغيّر وأن الجولان هو المكان الذي في الامكان تحقيق انجاز فيه، هذه المرّة، وليس لبنان. الجولان هو ضمانة النظام في المستقبل في حين أن الحلم في العودة إلى لبنان عبر "حزب الله" أو أعوانه من ميشال عون... إلى وئام وهاب وما شابههما أقرب إلى الوهم من أي شيء آخر. مستقبل النظام السوري في استعادة الجولان وليس في لبنان حيث المحكمة ذات الطابع الدولي في قضية اغتيال رفيق الحريري. في الماضي، كان النظام السوري يهرب من الجولان إلى لبنان. من الأفضل له هذه الأيام الهرب من لبنان إلى الجولان، حتى لو كان ذلك عبر مغترب سوري أو عبر تركيا أو سويسرا، لعل ذلك يؤدي إلى اعفائه من مسؤولية جريمة اغتيال رفيق الحريري وغيره من الجرائم التي ارتكبت في حق أشرف اللبنانيين والعرب من سمير قصير، إلى جورج حاوي، إلى جبران تويني، إلى بيار أمين الجميل... إلى آخرين كانوا ضحايا التستر بلبنان لمحو جريمة تسليم الجولان!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00