8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا يمكن شكر السيّد حسن نصر الله؟

ما كشفه الخطاب الأخير للسيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" في لبنان أن الانقلاب الذي يصرّ الحزب على تنفيذه من أجل ابقاء البلد مجرد تابع للمحور الإيراني ـ السوري إنما بدأ في مرحلة مبكرة. يكشف الخطاب الصريح لنصرالله، الذي يؤكد أن "حزب الله" لا يعترف بالدولة اللبنانية كما أنّه لن يعترف بها إلاّ في حال صارت في تصرّفه وتحت أمرته، وان هناك ترابطاً محكماً بين الإتيان بإميل لحّود رئيساً للجمهورية بالقوة من أجل ضرب مشروع رفيق الحريري وعرقلته بصفة كونه مشروعاً استقلالياً عروبياً حقيقياً يخدم سوريا ولبنان والسوريين واللبنانيين من جهة وبين التمديد لإميل لحّود من جهة أخرى. جاء التمديد القسري للرئيس اللبناني الذي كان يتفاخر أمام زواره بأن الطبقات الأولى وما فوقها في أبنية وسط المدينة (مشروع سوليدير) لم تجد من يستأجرها كلّها، بمثابة فشل ذريع للهدف الذي جعل النظام السوري يفرض إميل لحّود على اللبنانيين. فقد تبيّن على الرغم من كل "التفاؤل" الذي كان لدى الرئيس اللبناني بأن البلد لن ينطلق وأنه سيظل "ساحة" تتلاعب بها الأيادي الخارجية التي أتت به رئيساً، أن لبنان عائد... عائد بقوة الى لعب دوره وإلى التأثير في محيطه العربي على نحو إيجابي وحضاري. إنطلق لبنان غصباً عن النظام السوري وغصباً عن النظام الإيراني الراغبين في إبقاء الجنوب ينزف. وإنطلق خصوصاً غصباً عن إميل لحّود الذي لم يكن لديه هدف في الحياة سوى عرقلة كلّ ما له علاقة بالتنمية والإعمار، أي بمشروع رفيق الحريري. لذلك أكتسب "الزلمة"، حسب تعبير حسن نصرالله، ثقة النظام السوري بشكل أعمى، خصوصاً عندما حال دون إرسال الجيش اللبناني الى الجنوب معتبراً ذلك "خيانة". لماذا لم يعد إرسال الجيش الى الجنوب خيانة في السنة 2006، فيما كان قبل ذلك عملاً مداناً. هل صار انتشار الجيش في الجنوب عملاً وطنياً إثر صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن، وهو قرار وافق "حزب الله" على كلّ كلمة فيه، بعد اغتيال رفيق الحريري وبعد استكمال الإنقلاب على مشروع الإنماء والإعمار؟ هل صدفة أن يكون "حزب الله" حوّل سلاحه من الجنوب في اتجاه الوسط التجاري لبيروت بعد انتشار الجيش في الجنوب؟
يعتبر استكمال الحرب الإسرائيلية على لبنان عبر تعطيل الحياة وسط بيروت تجسيداً لهدف أوسع يتمثّل بالإمساك بالبلد لمصلحة المحور الإيراني ـ السوري. إنه دليل على أن الهدف الأوحد لـ"حزب الله" كان واضحاً منذ البداية. الهدف السيطرة على لبنان، كلّ لبنان بطريقة أو بأخرى ولا شيء غير ذلك. كلّ كلام آخر عن هدف مختلف لـ"حزب الله" ومشروع "حزب الله" ومن يقف خلف هذا المشروع، من النوع الذي لا قيمة له. لم يعد هذا الكلام ينطلي على أحد، خصوصاً بعد الخطاب الأخير لحسن نصرالله. كان هناك مشروع لبناني لا غبار عليه، هو مشروع إعادة لبنان الى الخريطة السياسية والإقتصادية والحضارية للشرق الأوسط. كان لا بدّ من القضاء على هذا المشروع القابل للحياة والقادر على إحياء لبنان والمنطقة المحيطة به وعلى مواجهة إسرائيل بفعالية، أي بالطريقة التي يجب أن تواجه بها وليس بالشعارات الرنانة وإثارة الغرائز المذهبية التي تخدم الدولة اليهودية في نهاية المطاف.
اغتيل رفيق الحريري لأنّ لديه مشروعه الأستقلالي العروبي، في حين أن الذين اغتالوه لديهم مشروعهم المضاد الذي ينفّذ على دفعات منذ فترة طويلة، خصوصاً منذ خلف بشّار الأسد والده في العام 2000. وكان التمهيد للمشروع المضاد بدأ بالأتيان بإميل لحّود رئيساً للجمهورية في وقت كان حافظ الأسد لا يزال حيّا، فيما السلطة الحقيقية في يد خليفته.
لم تكن تظاهرة الثامن من آذار، سوى محاولة لتغطية الجريمة ومنع انسحاب القوّات السورية من الأراضي اللبنانية. ولم يكن اعتكاف وزراء "أمل" و"حزب الله" ثم انسحابهم من الحكومة سوى من أجل الحؤول دون وجود مرجعية شرعية لبنانية للمحكمة ذات الطابع الدولي التي ستنظر في جريمة اغتيال رفيق الحريري والجرائم الأخرى المرتبطة بها بدءاً بمحاولة اغتيال الوزير مروان حماده وانتهاء باغتيال الوزير بيار أمين الجميل وتفجيري عين علق قرب بكفيا. لم تكن حرب الصيف الماضي، التي افتعلها "حزب الله"، سوى حلقة محورية في المشروع المضاد لمشروع الإنماء والإعمار بدليل ما فعلته إسرائيل بالبلد وببنيته التحتية.
في النهاية، لا يمكن إلاّ توجيه الشكر للسيّد حسن نصرالله، لا لشيء سوى لأنّه ساعد اللبنانيين والعرب وكلّ من كانت لا تزال أمام عينيه بعض الغشاوة في فهم لماذا اغتيل رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما ثم سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميّل. اغتيل هؤلاء لأن لبنان العربي الحر، السيّد، المستقل مشروع قابل للحياة في حين أن المطلوب أن يكون "ساحة" للمحور الإيراني ـ السوري يفاوض من خلاله "الشيطان الأكبر" الأميركي و"الشيطان الأصغر" الإسرائيلي... مطلوب أن يكون لبنان بائساً على شاكلة خيام البؤس التي زرعت في قلب بيروت من أجل طمأنة إسرائيل الى أن البلد لن تقوم له قيامة وأن العرب لا يمكن أن يكونوا إلاّ من نوع واحد، أي بؤساء وبائسين يعملون في خدمتها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00