8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الأهمية الاستثنائية لرسالة نوّاب لبنان

لو كانت، ما يسمّى المعارضة اللبنانية، صادقة في موقفها من المحكمة ذات الطابع الدولي المتوقع أن تنظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفي سلسلة الجرائم التي شهدها لبنان منذ التمديد للرئيس إميل لحّود، لما كانت هذه المعارضة اعترضت على الرسالة التي بعث بها نوّاب لبنان الى الأمم المتحدة تأييداً لإنشاء المحكمة ومطالبين بها . كلّ ما في الأمر أن المعارضة تنفّذ تعليمات النظام السوري القاضية بعمل كلّ شيء من أجل عرقلة قيام المحكمة. لذلك، تعتبر خطوة تقديم العريضة في غاية الأهميّة نظراً الى أنها تندرج في سياق تأكيد أن لا تراجع عن المحكمة ذات الطابع الدولي التي تصبّ في عملية استعادة لبنان لحريته واستقلاله وسيادته.
كان مطلوباً تغطية جريمة التمديد لإميل لحّود بسلسلة من الجرائم بدءاً بمحاولة اغتيال الوزير مروان حماده وانتهاء باغتيال الوزير بيار أمين الجميل رمز الشباب اللبناني المتمسك بأرضه ووطنه والرافض لعودة نظام الوصاية، مروراً باغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما والحبيب سمير قصير والمناضل الحقيقي جورج حاوي والزميل جبران تويني. وكان لا بدّ أيضاً من السعي الى اغتيال الوزير الياس المرّ والزميلة ميّ شدياق التي رفضت الرضوخ لإملاءات الإحتلال. حصل كلّ ذلك، إضافة الى سلسلة من التفجيرات بهدف اخضاع لبنان وتأكيد أن لا حياة للبلد ولأهله من دون نظام الوصاية... والأكيد أنّ ليس في الأمكان الفصل بين عملية إخضاع لبنان من جهة واستقالة الوزراء المنتمين الى "أمل" و"حزب الله" من جهة أخرى. إنها استقالة مرتبطة الى حدّ كبير، بل على نحو مباشر، بالمحكمة ذات الطابع الدولي وبفشل الحزب في جعل الحرب التي افتعلها مع إسرائيل الصيف الماضي تثني الحكومة عن المطالبة بتلك المحكمة. أكثر من ذلك، وجه "حزب الله" سلاحه الى الداخل اللبناني وإلى اللبنانيين نتيجة نجاح حكومة فؤاد السنيورة في استعادة المبادرة، بعد حرب الصيف، والتركيز من جديد على موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي. ولذلك كان لا بدّ من الاعتصام في وسط بيروت بغية تعطيل الحياة في العاصمة. وكان لا بدّ من إثارة الغرائز ذات الطابع المذهبي في مناطق مختلفة من المدينة، بغية متابعة الضغط على الحكومة بكلّ الوسائل غير المشروعة من أجل الوصول الى فراغ سياسي في البلد. وبكلام أوضح، أن المطلوب ألاّ تكون هناك حكومة لبنانية شرعية يعترف بها العالم، كما هو حاصل الآن، حكومة تطالب بالمحكمة ذات الطابع الدولي وتكون في الوقت ذاته مرجعيّة لها في المكان الذي ارتكبت فيه سلسلة الجرائم.
من هذا المنطلق، تعتبر رسالة النواب اللبنانيين الى الأمم المتحدة حدثاً استثنائياً وذلك ليس لأنّها تعكس عزم اللبنانيين على المقاومة فحسب، بل لأنّها تظهر أيضاً أن هناك أكثرية حقيقية في البلد ترفض الاستسلام وتعرف ما تريده تماماً. هذه الأكثرية تعرف بكلّ وضوح أنّ "حزب الله" مع أدواته، من ميشال عون الى وئام وهّاب وما بينهما، يعمل من أجل كسب الوقت لمصلحة النظام السوري الذي لا يستطيع حتّى مجرّد السماع باسم المحكمة ذات الطابع الدولي. لقد أظهرت رسالة النوّاب أن المناورات التي يستخدمها الحزب المذهبي ذي المرجعية الإيرانية، لم تعد تنطلي على أحد. لكنّ ذلك يجب ألاّ يعني في أي شكل أن الحملة الشرسة على لبنان واللبنانيين ستتوقف. على العكس من ذلك، سيكون هناك تصعيد كبير ردّاً على رسالة النوّاب، خصوصاً أنّها جاءت بعد انعقاد القمة العربية واعلان غير مسؤول سوري أن القمة كانت نجاحاً كبيراً، بل منقطع النظير، لدمشق. تظهر الرسالة بكلّ بساطة أن النوّاب اللبنانيين لا يتمنون إلاّ الخير لسوريا ورئيسها، ولا يتمنون له تحديداً سوى النجاح في فكّ عزلته العربية والدولية بما في ذلك إقامة أفضل العلاقات مع الإدارة الأميركية، شرط ألاّ يكون ذلك على حساب لبنان واللبنانيين. لكنّ فكّ العزلة يظلّ شيئاً والاستمرار في عملية تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي شيء آخر. هذا هو بيت القصيد في كلّ الموضوع. وهذا ما أظهرته رسالة النوّاب اللبنانيين الذين يدركون أن حياة كلّ منهم في خطر.
قرر نوّاب لبنان خوض التحدي الى النهاية. المحكمة ذات الطابع الدولي تعني لهم كلّ شيء على الصعيد الوطني. تعني أوّلاً أن هناك إرادة لبنانية صلبة تعمل بكدّ في سبيل استعادة الحرية والسيادة والاستقلال. وتعني أيضاً أن لا بدّ من أن تكون هناك عدالة في نهاية المطاف وأن موجة الاغتيالات يجب أن تتوقف. وتعني خصوصاً أن الوقت ليس وقت المناورات السياسية والحوارات العقيمة التي لا تستهدف سوى إضاعة الوقت خدمة للنظام السوري الذي يعتقد أن هذا العامل يصبّ في مصلحته. يبدو رهان النظام السوري على عامل الوقت واضحاً كلّ الوضوح، إذ يعتقد أن كلّ المعطيات الدولية ستتغيّر بمجرد ألاّ يعود جاك شيراك رئيساً لفرنسا وجورج بوش الأبن رئيساً للولايات المتّحدة. جاءت رسالة النواب لتقول إن العالم يريد إحقاق العدالة في لبنان وأن المسألة مرتبطة بالنظام الدولي ممثّلاً بالأمم المتحدة، أي بمؤسسة لا علاقة لها بالأشخاص... لا بشيراك ولا ببوش الإبن. هل من يريد فهم الرسالة وأبعادها وما تعنيه بالنسبة الى لبنان؟ إنّها تعني أوّلاً أن البلد قابل للحياة لأن أبناءه على استعداد لتقديم كلّ أنواع التضحيات وتعني ثانياً أن العالم يريد مساعدته وهو جدّي في ذلك، على الرغم من كلّ الحملة الشرسة التي يتعرّض لها والتي لا تستهدف سوى الشرفاء من أبنائه الذين استشهدوا في معركة الاستقلال الثاني...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00