8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الجريمة واضحة وأبطالها معروفون

لم تعد هناك حاجة الى أدلّة على من يقف وراء سلسلة الاغتيالات في لبنان. كان توقيف عناصر في شبكة "فتح الإسلام" في جريمة تفجير حافلتين تقلاّن مدنيين في المتن يوم الثالث عشر من شباط الماضي دليلاً اضافياً على أن النظام السوري يقف وراء الشبكات التي نفّذت وتنفّذ عمليات الاغتيال والتفجير في لبنان. الجريمة واضحة وأبطالها معروفون. المجرم معروف. إنّه ذلك الذي يرفض المحكمة ذات الطابع الدولي ويعترض على فكرة المحكمة ويستفزّه مجرد السماع بأسم المحكمة. كان ردّ الأجهزة اللبنانية في محلّه. أكتشفت الأجهزة أخيراً من هي الجهة التي تقف وراء الجرائم التي تستهدف لبنان واللبنانيين الشرفاء من مروان حماده، الشهيد الحيّ، الى الشيخ بيار أمين الجميّل رمز العنفوان اللبناني ورمز الشباب الساعي الى النضال من أجل مستقبل أفضل يُبقي اللبنانيين في لبنان بدل ان يهجّرهم منه الدكتور ميشال عون الحاصل أخيراً على شهادة في القانون وتفسير الدستور...
المؤسف في ظلّ كلّ ما يحصل أن النظام السوري يتابع سياسته القديمة القاضية باستخدام الفلسطينيين وقوداً في كلّ المعارك التي يخوضها في المنطقة من أجل القول للأميركيين أنّه الطرف الذي لا بدّ من التفاوض معه في شأن كل ما له علاقة بالجبهة الممتدة من العقبة في الأردن الى الناقورة في جنوب لبنان. صار النظام السوري مضطّراً الى اللجوء مرّة اخرى الى الفلسطينيين والمتاجرة بقضيّتهم كي يؤكّد انّه على استعداد للذهاب بعيداً في عملية زعزعة الاستقرار في لبنان، بما في ذلك افتعال حرب أهلية، من اجل اثبات أنّه قادر على الرد على المحكمة ذات الطابع الدولي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
عادت الحاجة الى استخدام النظام السوري للفلسطينيين في لبنان في سياق خطّة واضحة كل الوضوح تستهدف استعادة المبادرة في البلد وتأكيد أن لا حياة للبنان في غياب المرجعية السورية. بكلام أوضح، عادت الحاجة الى "فتح الإسلام" كي تلعب الأدوار التي لعبتها المنظمات الفلسطينية الموالية للنظام السوري منذ أواخر الستينات وحتى عندما كان الراحل حافظ الأسد وزيراً للدفاع، في عملية تدمير الصيغة اللبنانية. الآن ثمة حاجة الى "فتح الإسلام"، لا لشيء سوى لأن "فتح ـ الأنتفاضة" لم تعد ورقة رابحة في لبنان. الدور الآن لعنوان مختلف، نظراً الى انّ "سوريا دولة علمانية" على حدّ تعبير السيّد وليد المعلّم وزير الخارجية السوري، غصباً عن نائب الرئيس الأستاذ فاروق الشرع. وبما أن "سوريا دولة علمانية"، عليها محاربة التنظيمات المتطرّفة في أراضيها واستغلالها في أراضي الغير، أي في لبنان والعراق تحديداً! يا لها من مفارقة!
تبدو اللعبة السورية في لبنان مكشوفة أكثر من ايّ وقت، حتى لو كانت هناك محاولات لتغطية السماوات بالقبوات عن طريق الأستعانة بصحافيين، مرموقين سابقاً، من نوع الأميركي سيمور هيرش الذي يبدو أنّه لا يعرف الفارق بين بيروت وهونولولو. من يعتبر "فتح الإسلام" شيئاً آخر غير جهاز سوري لايفهم شيئاً في السياسة ولا يعرف شيئاً عن لبنان ولا عن العلاقة بين سوريا ولبنان ولا يفهم شيئاً عن المنطقة. هذا مستشرق آخر يردد أكاذيب النظام السوري الذي جنّد كل عناصره، من الدرجة العاشرة وما دون، من اجل الإشادة بهيرش ومعلوماته التي تبيّن انّها مجرّد تسريبات لا يصدّقها حتى الذين أطلقوها...
آن أوان القول للنظام السوري أن لبنان يخوض معركة الاستقلال. معركة الاستقلال الحقيقي لبلد عربي حقيقي يرفض المتاجرة بالفلسطينيين والقضية الفلسطينية. حرام استخدام الفلسطينيين في جرائم ترتكب في حقّ الآمنين في لبنان كي تقول دمشق للإدارة الأميركية أن لا سلام في لبنان من دون عودتها أليه. أنها جريمة في حق الفلسطينيين وكلّ ما يطمحون اليه. انّها جريمة مزدوجة في حق لبنان وفلسطين في آن. ولكن ما العمل عندما تكون المشكلة مع نظام يعتقد أن في أستطاعته تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري، العربي اللبناني الحرّ بسلسلة من الجرائم الأخرى بدءاً باغتيال سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وانتهاء ببيار أمين الجميّل؟
كم سيستشهد من اللبنانيين الشرفاء قبل أن يقتنع النظام السوري بأنّ عليه التفكير بطريقة مختلفة، أقلّه بالنسبة الى لبنان وبأنّ عليه التفكير مليّاً بالعرض الذي حمله اليه مفوض العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، أكان ذلك بالنسبة الى لبنان أو بالنسبة الى تهريب السلاح اليه... أو بالنسبة الى التعاطي بطريقة مختلفة مع القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن؟ ثمة من يقول أن لا أمل في تغيير العقلية السائدة في دمشق وأن النظام لا يستطيع سماع اسم المحكمة الدولية ومواجهة الحقيقة وأنه مستعد للذهاب بعيداً في سعيه الى الحؤول دون تشكيلها بما في ذلك القضاء على كلّ ما يمكن ان تكون له علاقة من قريب أو بعيد بالحكومة اللبنانية التي تبقى، الى إشعار آخر، الرمز الأوّل والأخير للسيادة اللبنانية... وهذا يعني أنّ لا مكان سوى للتشاؤم!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00