8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا لم تسقط الحكومة اللبنانية؟

مرّة أخرى، لم تعد هناك أسرار في لبنان. كان الخطاب الأخير للسيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" في غاية الوضوح، أقلّه بالنسبة إلى ضرورة تعطيل الحياة في الوطن الصغير خدمة للسياسة السورية التي باتت تمتلك أداة لبنانية قادرة على إقامة مربّعات أمنية في قسم آخر من بيروت وفي مناطق محيطة بها أو قريبة منها. أوليست التغطية التي يوفّرها "حزب الله" للمنظمات الفلسطينية الموالية للنظام السوري والتي تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من اجهزته الأمنية وراء احتفاظ هذه المنظمات بأسلحتها خارج المخيّمات الفلسطينية؟
في حال كان مطلوباً اختصار الخطاب الأخير لنصرالله بعبارة واحدة، يمكن القول أن الهدف لا يزال إيّاه. إنّه يتمثّل في إسقاط الحكومة التي يترأسّها فؤاد السنيورة من أجل خلق فراغ سياسي في البلد. ولذلك، أكّد الأمين العام لـ"حزب الله" استمرار الاعتصام الذي يقوم به الحزب في الوسط التجاري لبيروت غير آبه بالأضرار التي تلحق باللبنانيين وبلبنان جرّاء احتلال الأملاك الخاصة منذ ما يزيد على الثلاثة أشهر ونصف الشهر. لماذا يجب إسقاط الحكومة والتمسك بصيغة الثلث المعطّل؟ للاجابة عن هذا السؤال يمكن العودة إلى السياسة الكلاسيكية التي اتبّعها النظام السوري في لبنان منذ أواسط السبعينات بغية السيطرة على البلد. تتلخص هذه السياسة بصيغة في غاية البساطة هي أن اللبنانيين غير قادرين على أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم وأنّ ثمة حاجة دائمة إلى قوّة من خارج اسمها الأجهزة السورية بغية ضبط الوضع في البلد الصغير ومنعه من أن يكون في حال من الفلتان التام.
منذ ما قبل اندلاع الحرب اللبنانية في العام 1975 وهي حرب بين اللبنانيين وحرب الآخرين على أرض لبنان في الوقت ذاته، كان هناك تشجيع سوري على ايجاد بؤر أمنية مسلّحة خارج سيطرة السلطة اللبنانية. من أين جاءت الأسلحة التي دخلت المخيّمات الفلسطينية ومن أين تدفّق المقاتلون الفلسطينيون على لبنان بعد معارك أيلول ـ سبتمبر 1970 في الأردن. هل هبط هؤلاء من السماء أم أنّهم انتقلوا إلى لبنان عبر الأراضي السورية حتى عندما كان الراحل حافظ الأسد لا يزال وزيراً للدفاع وليس رئيساً للدولة ابتداء من أواخر العام 1970 عندما قام بما سمّي "الحركة التصحيحية" في السادس عشر من تشرين الثاني ـ نوفمبر، وهي الحركة التي مكّنته من التخلص من خصومه على رأسهم صلاح جديد...
لم يطرأ أيّ تغيير على الخطوط العريضة للسياسة السورية في لبنان. اختلفت الأدوات مع تغيّر الظروف فقط. الهدف لا يزال واحداً ويتمثّل في وضع اليد على لبنان بأي شكل من الأشكال عن طريق خلق ما يكفي من المشاكل التي تظهر اللبنانيين منقسمين على أنفسهم. ربّما كان الجديد الوحيد اليوم أن النظام السوري بات مضطرّاً إلى الاعتماد أكثر من السابق على "حزب الله" وأدواته المحليَة من نوع النائب ميشال عون ومن على شاكلته من وئام وهّاب وسليمان فرنجيه وما بينهما. ولأنّ هناك ما يمكن ان يعتبر جديداً، دخل "حزب الله" الحكومة اللبنانية بعد خروج القوات السورية من الأراضي اللبنانية في نيسان ـ أبريل من العام 2005 تحت ضغط اللبنانيين وذلك بغية تعطيل العمل الحكومي من داخل. كان الهمّ الأول والأخير للنظام السوري المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد نفّذ الحزب التعليمات السورية بدقّة. اعتكف وزراؤه في أواخر العام 2005 بعد استشهاد الزميل جبران تويّني ثم قدّموا استقالتهم في الخريف الماضي عندما طُرح موضوع إقرار مجلس الوزراء للمحكمة ذات الطابع الدولي تمهيداً لاحالته على مجلس النوّاب. وبين الاعتكاف والاستقالة التي جرّ فيها "حزب الله" وزراء "أمل" إلى موقفه، كانت حرب الصيف التي افتعلها الحزب مع اسرائيل من أجل إضعاف لبنان وتقوية النظام السوري.
لم يكن الاعتكاف كافياً. لم تكن الحرب كافية، خصوصاً بعد صدور القرار الرقم 1701 لم تكن الاستقالة كافية. لم تسقط الحكومة. كان لا بدّ من الاعتصام لاسقاطها. لكنّ الحسابات السورية لم تكن دقيقة هذه المرّة بدليل أنّ الحكومة ما زالت صامدة. ولأنّ الحكومة لا تزال صامدة ستُبذل محاولات جديدة لاسقاطها وستكون هناك مناورات من كلّ الأنواع من أجل إظهار لبنان في مظهر البلد غير القادر على أن يكون حرّاً سيّداً مستقلاًّ. لو لم يكن الأمر كذلك لما كان كبار المسؤولين السوريين، على رأسهم الرئيس بشّار الأسد، يرددون أن سوريا ستدعم ما يتّفق عليه اللبنانيون. بما أن ليس هناك ما يتفق عليه اللبنانيون، ليس هناك إذاً وجود لما يمكن للنظام السوري دعمه في لبنان.
تبدو مهمّة "حزب الله" محصورة في أمرين. الأوّل شل لبنان وتعطيل الحياة فيه والآخر إبقاء الخلافات بين اللبنانيين قائمة تنفيذاً لرغبات النظام السوري الذي يبدو عاجزاً عن تكييف سياساته مع الواقعين العربي والدولي اللذين تبدّلا جذرياً في السنوات الأخيرة. مشكلة النظام السوري أنّه يتعاطى مع هذين الواقعين وهو يقرأ من كتاب عفا عنه الزمن. لو لم يكن الأمر كذلك لكانت الحكومة اللبنانية سقطت منذ أشهر عدّة. لماذا لم تسقط الحكومة؟ لو كان النظام السوري يمتلك ما يكفي من الجرأة لطرح هذا السؤال على نفسه ولكان في الاستطاعة الرهان على أن هذا النظام قابل للتطوّر بما يخدم لبنان وسوريا واللبنانيين والسوريين. المؤسف أن هذا الرهان ليس وارداً، أقلّه في المدى المنظور، ما دام في دمشق من يحلم بعودة نظام الوصاية على لبنان عن طريق سياسة فرّق تسد.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00