8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ماذا عن مستقبل اتفاق مكّة؟

صمد أتفاق مكة المكرّمة الفلسطيني ـ الفلسطيني، أقلّه موقتاً، ولم يعد مستبعداً أن يتمكّن السيّد إسماعيل هنية من تشكيل حكومة وحدة وطنية في خلال المهلة المحددة له. قبل أيام قليلة، كان الحديث عن صمود الإتفاق شهراً كاملاً بمثابة مغامرة خصوصاً أن الأجواء كانت مهيّأة لتجدد القتال بين مقاتلي "فتح" و"حماس" خصوصاً في قطاع غزة.
ما الذي جعل الإتفاق يصمد شهراً وهل من مستقبل له؟ ما جعل الإتفاق يصمد وجود توازنات عسكرية معيّنة تبيّن أنها أنتجت الأتفاق. لولا هذه التوازنات لما كانت "حماس" مستعدة للبحث في اتفاق من هذا النوع، خصوصاً أن المسؤولين في الحركة باتوا مدمنين على السلطة بطريقة بزّوا بها المسؤولين في "فتح". لكن الذي حصل أنّ حسابات "حماس" لم تتفق مع ما شهدته الأرض الفلسطينية من تطوّرات على الصعيد العسكري ولم تستطع الحركة السيطرة على غزّة على العكس مما كانت تعتقد وتتصوّر.
جاء تصدي "فتح" للمحاولات التي بذلتها "حماس" لوضع يدها على القطاع بمثابة مفاجأة جعلت الحركة الأسلامية تعيد النظر في أستراتيجيتها بعدما كشفت أوراقها واكتشف المواطن العادي أن "حماس" في السلطة في سوء "فتح" إن لم يكن اسوأ منها. وإذا كان لا بدّ من تسمية الاشياء بأسمائها، يمكن القول إن بين العوامل التي أدّت إلى تراجع "حماس" على الأرض عمليّات الاغتيال التي نفّذتها من أجل خلق جو من الإرهاب في القطاع يجعل كلّ من يفكّر في التصدي لها يعيد النظر في حساباته. ولكن تبيّن أن عمليات الأغتيال التي طاولت ضبّاطاً في أجهزة الأمن الفلسطينية كانوا يُقتلون بدم بارد بعد محاصرتهم في منازلهم كما طاولت أطفالاً كانت تجري تصفيتهم في الشارع لمجرّد أنهم أبناء ضابط في الأمن الوقائي، أدّت إلى مفعول عكسي. وتبيّن لدى حصول المواجهة الكبيرة وعمليات الخطف المتبادلة في غزّة أن مقاتلي"فتح" أعادوا تنظيم صفوفهم بقيادة العقيد محمّد دحلان وأنّه لم يعد ينقصهم شيء للذهاب بعيداً في حسم المعركة لمصلحتهم خصوصاً في مناطق معيّنة في القطاع.
اكتشفت "حماس" أنّها لا تستطيع الحسم عسكرياً لا في غزّة ولا في الضفّة الغربية حيث كان رجال "فتح" يخطفون قياديّيها في وضح النهار وتحت عدسات الكاميرات التلفزيونية ردّاً على عمليات الخطف التي كانت تمارسها حركة تدّعي أنها تريد تطبيق أحكام الشريعة في الأراضي الفلسطينية! وفي غزّة نفسها، استطاع مقاتلو "فتح" إحتجاز عدد مهم من المسؤولين المهمّين في "حماس" كان الإعتقاد السائد أن لا أحد خارج قيادة الحركة يعرف الكثير عن دورهم.
ما جرى على الأرض لعب دوراً أساسياً في جعل "حماس" تقبل بالذهاب إلى مكّة تلبية لرغبة سعودية. وثمة عامل آخر لعب دوراً في التوصلّ إلى إتفاق هو رغبة النظام السوري في إظهار حسن نيّة تجاه القيادة السعودية. ولذلك كانت التعليمات التي وجهها الرئيس بشّار الأسد إلى السيّد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" بأنّ عليه أن يعود من مكّة بإتفاق وذلك على أمل استرضاء السعوديين.
صمد الإتفاق وتبدو إحدى ايجابياته أنّه اوقف القتال العبثي بين الفلسطينيين. وهذا يقود إلى السؤال الآخر: أي مستقبل للإتفاق؟ الجواب أنّه حتى لو تشكّلت حكومة وحدة وطنية، لن تكون فائدة منها الاّ إذا خرجت ببرنامج سياسي واضح يستند إلى خطاب التكليف الذي وجّهه السيّد محمود عبّاس (أبومازن) إلى اسماعيل هنيِّة اثر اتفاق مكّة. مثل هذا البرنامج السياسي الواضح يسمح للجانب الفلسطيني بأن يكون مستعدّاً لتلقف أي فرصة تسمح بمعاودة المفاوضات مع اسرائيل. والأهم من ذلك، أن مثل هذا البرنامج الواضح الذي لا ضرورة لإعلان "حماس" الإلتزام به سيؤدي إلى فكّ الحصار عن الشعب الفلسطيني. هل تستطيع"حماس" الإرتقاء إلى مستوى التحديات التي تفرضها المرحلة الراهنة؟ من حسنات اتفاق مكّة أنّه أظهر أن هناك في "حماس" شخصاً إسمه خالد مشعل يستطيع إتخاذ قرار استناداً إلى موازين القوى على الأرض والمعطيات الأقليمية من جهة أخرى. أنّه رجل واقعي بدأ يدرك أن الشعارات شيء والسياسة شيء آخر. إلى أين سيذهب خالد مشعل في تعاطيه مع الواقع ،وهو الذي تحدّث أخيراً عن اسرائيل بصفة كونها "أمراً واقعاً"، لكنّه قال شيئاً ثم قال عكسه وكأنّه لا يزال يتلمّس طريقه...
في أسوأ الأحوال سيتعاطى المجتمع الدولي مع وزراء"فتح" والوزراء المستقلّين في الحكومة الجديدة المتوقّعة قريباً. أيّ أنّه لن تعود هناك مقاطعة كاملة للحكومة كما الحال الآن. أمّا الحصار على الشعب الفلسطيني، فأنّه سيفكّ جزئياً... المهمّ أن تتخذ "حماس" قبل فوات الأوان قراراً بأن لا حلّ عسكريّاً للصراع مع اسرائيل وأن تفهم أن الوقت لا يعمل لمصلحة القضية الفلسطينية أو الشعب الفلسطيني وأن الوضوح السياسي ليس عيباً. عندئذ، سيكون في الإمكان القول إن إتفاق مكّة أكثر من اتّفاق لإلتقاط الأنفاس وأنّ في الإمكان البناء عليه.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00