8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تفجيرا المتن.. والمكان والتوقيت

يندرج التفجيران الإرهابيان الأخيران اللذان استهدفا باصين صغيرين في منطقة المتن الشمالي اللبنانية في سياق الضغوط الهادفة الى منع البلد من التقاط أنفاسه. مطلوب متابعة الضغوط والذهاب بها الى النهاية كي يستسلم اللبنانيون، ويتوقفوا بالتالي، عن أي مقاومة لعودة الوصاية السورية. عليهم قبل أي شيء آخر نسيان المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولذلك، وقع الإنفجاران اللذان اراد الطرف الذي يقف خلفهما قتل أكبر عدد من المدنيين في قلب المنطقة المسيحية عشية الذكرى الثانية لاستشهاد رفيق الحريري وبعد ايام من موافقة الأمم المتّحدة على إقرار نظام المحكمة ذات الطابع الدولي.
جرت العادة أن تُرتكب جريمة ما كلّما حصل تقدم على طريق تحوّل المحكمة الى حقيقة. أغتيل الزميل جبران تويني في الثاني عشر من ديسمبر ـ كانون الأوّل من العام 2005 لدى بدء بحث مجلس الوزراء في نظام المحكمة الدولية. وفي الواحد والعشرين من نوفمبر ـ تشرين الثاني 2006، أغتيل النائب والوزير بيار أمين الجميّل في وضح النهار لدى اجتماع مجلس الوزراء للموافقة على المحكمة الدولية. وكان مفترضاً اغتيال شخصية ما بعد إقرار الأمم المتحدة لنظام المحكمة الأسبوع الماضي.
هذه المرّة شاء الساعون الى إلغاء المحكمة الدولية الذهاب الى أبعد في التصعيد. ربّما لم يجدوا سياسياً يقتلونه بسهولة، فأجّلوا فعلتهم لمرحلة لاحقة. لكن الثابت أن لا بدّ من عمل ما يُقدم عليه المجرمون يصبّ في سياق ما هو متّبع منذ اغتيال رفيق الحريري بهدف التغطية على الجريمة. وهذا ما يفسّر الى حدّ كبير اختيار هدف سهل من نوع قتل مدنيين عن طريق زرع عبوتين في باصين ينقلان ركّاباً من بلدة بتغرين مسقط رأس وزير الدفاع السيّد الياس المرّ الى الساحل. وبغض النظر عن نية التصعيد، يبدو اختيار المكان، أي منطقة المتن، ردّاً على موقف الياس المرّ من شحنة السلاح التي صادرها الجيش اللبناني قبل أيام في طريقها الى بيروت وأعلنَ لاحقاً أنها صارت في الجنوب في عهدة الجيش اللبناني؟ ولكن، هل اختيار المتن ردّ أيضاً على الزيارة التي قام بها الرئيس أمين الجميّل لواشنطن ولقاؤه الرئيس بوش الإبن وكبار المسؤولين الأميركيين ثم اجتماعه في نيويورك بالأمين العام للأمم المتحدة بان ـ كي مون. وقد عُومل أمين الجميّل في العاصمة الأميركية معاملة رئيس دولة، كذلك في نيويورك، فيما الأسرة الدولية لا تعترف بالرئيس الحالي إميل لحود، وهو من المتن مثله مثل أمين الجميّل، كونه أداة سورية وكون ولايته مُمددة قسراً عبر ممارسة الإرهاب ليس إلاّ. أكثر من ذلك، هل اختيار أرض المتن محاولة جديدة لخلق فتنة مسيحية ـ مسيحية بعد فشل المحاولات التي بذلت الشهر الماضي من أجل تحقيق هذا الهدف عندما فشل الإضراب الذي دعا إليه النائب ميشال عون حليف "حزب الله"، بالإيجار طبعاً، واحدى أدوات النظام السوري بعدما تبيّن أنّ "الجنرال" لا يستطيع السيطرة على الأرض في المناطق المسيحية. أكثر من ذلك، تبيّن أن هذه المناطق انتفضت في وجهه وفي وجه كلّ ما يمثّله ولم تعد لديها أي أوهام في ما يتعلّق بشخص لا علاقة له بالمصلحة اللبنانية. من هذا المنطلق، يبدو منطقياً أن بين أهداف العمل الإرهابي إعادة نوع من الهيبة الى "الجنرال" الذي بات في حاجة الى من يرفع له معنوياته عن طريق إقناعه بأنّ هناك من يدعمه من داخل المنطقة المسيحية بدليل أنّ هناك اليوم من يفجّر مثلما كان هناك من يستطيع اغتيال بيار أمين الجميّل في وضح النهار!
تجمّعت عوامل كثيرة من أجل أن يكون التصعيد في المتن حيث أحزاب تابعة للأجهزة السورية تستطيع التحرك بسهولة عن طريق عناصر مسيحية من أبناء المنطقة أو المقيمين فيها. كان لا بدّ للنظام السوري من استخدام الأحزاب التابعة له في المناطق المسيحية، في ضوء التعليمات الإيرانية الموجهة الى "حزب الله" بأنّ عليه تفادي افتعال فتنة شيعية ـ سنّية من منطلق أن مثل هذه الفتنة لا تخدم استراتيجيته، أقلّه في المرحلة الراهنة. ولهذا السبب وليس لغيره يمتنع "حزب الله" حالياً عن تكرار ما حصل في الخامس والعشرين من الشهر الماضي في حي طريق الجديدة في بيروت وفي الشوارع المحيطة بالجامعة العربية.
ولكن يبقى العامل الأهم من المكان الذي هو المتن، ذلك المتمثّل بتوقيت العمل الإرهابي الذي جاء قبل أربع وعشرين ساعة من نزول اللبنانيين الى وسط بيروت لإحياء ذكرى مرور عامين على اغتيال رفيق الحريري. كان منفّذو الجريمة يعتقدون أنّه لن يمرّ اسبوع إلاّ وقد نسي اللبنانيون الرجل الذي أعاد وضع بلدهم على خريطة المنطقة والعالم وأعاد لعاصمتهم بريقها كإحدى أجمل المدن على المتوسّط. مرت مئة وأربعة أسابيع وقضية رفيق حيّة اكثر من أي وقت، رفيق الحريري في ضمير كلّ لبناني شريف أكان مسلماً أو مسيحياً، أكان سنّياً أو شيعياً أو درزياً أو مارونياً أو أرثوذوكسياً أو بروتستانتياً...
بعد عامين على الجريمة، لا تزال قضية رفيق الحريري حيّة ولا تزال الشرعية اللبنانية ممثلة بالحكومة تلاحق القضية وتعمل من أجل أن تكون هناك مرجعية لبنانية للمحكمة ذات الطابع الدولي. أليس ذلك سبباً كافياً لزرع الموت والدمار في لبنان؟ أليس ذلك سبباً كافياً لقتل مزيد من اللبنانيين الأبرياء الذين ذنبهم الوحيد أنهم من المتن وأن عليهم ركوب الباصات للإنتقال الى أعمالهم لأنّ ليس لدى لديهم راتب يأتيهم من "حزب الله" المموّل من إيران؟ لا بأس من نقل التجربة العراقية الى لبنان... ما دام هناك من يصرّ على المحكمة ذات الطابع الدولي ويدرك أنّها السبيل الوحيد المتوافر لوقف مسلسل العنف والقتل والدمار والظلم في لبنان!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00