8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا اغتالوا رفيق الحريري؟

مَنْ اغتال رفيق الحريري؟ بدأت الحقيقة التي كانت واضحة وضوح الشمس منذ البداية، أي منذ اللحظة الأولى لوقوع الجريمة تتكشف تباعاً. لم يعد هناك مجال لأي شك في من يقف بطريقة أو بأخرى وراء الجريمة بعدما كشف النظام السوري أنّه لا يستطيع حتى السماع بشيء اسمه المحكمة ذات الطابع الدولي المكّلفة النظر في قضية استشهاد أشرف اللبنانيين والعرب. تلك مهمة هذا النظام الذي يتحدّث عن أنّه "نظام الممانعة"، في حين أنّه لم يعمل سوى على تغطية الجرائم التي ذهب ضحيّتها كلّ الذين قاوموا اسرائيل حقيقة وليس بالكلام بدءاً بكمال جنبلاط وانتهاء ببيار أمين الجميّل مروراً بالمفتي حسن خالد والشيخ صبحي الصالح وبمحمّد شقير وناظم القادري ورياض طه والعشرات الذين وقفوا في وجه الهيمنة الاسرائيلية على لبنان وفي وجه الطائفية والمذهبية. في طبيعة الحال ليس في الامكان إلاّ ذكر الشهداء الآخرين الذين ذهبوا ضحية مقاومتهم لاسرائيل بطريقة حضارية وليس بالطريقة التي تصبّ في مصلحتها، أي بشنّ حروب تنتهي بهزيمة للبنان وبتشريد آلاف اللبنانين وتهجيرهم. على رأس هؤلاء سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني الذين دفعوا ثمناً كبيراً لوقوفهم في وجه اسرائيل قبل أن تغتالهم أيدٍ لا علاقة لها سوى باسرائيل مهما تغطّت بالشعارات ومهما ادّعت أنّها تواجه اسرائيل... أيدٍ عربية للأسف الشديد لكنّها لا تعمل سوى من أجل القضاء على كلّ ما لا يصبّ في مصلحة اسرائيل.
بعد سنتين على اغتيال رفيق الحريري، يتبيّن ان المستهدف لم يكن شخص الرجل، بل المستهدف كان لبنان. كان مطلوباً القضاء على لبنان، على فكرة اسمها لبنان ترسّخت في ذهن رفيق الحريري وفي ذهن كل لبناني يسعى الى خدمة بلده وخدمة العروبة الصادقة ذات الطابع الحضاري المتّسم بالتسامح واتّساع الأفق وليس تلك العروبة، التي تتاجر بالعروبة، المنغلقة على نفسها التي تعمل من أجل خلق مجتمع مختلف عن المجتمع اللبناني داخل لبنان، إلى خلق دولة مسلّحة داخل الدولة في لبنان، دولة لا علاقة لها بدولة لبنان، دولة تشتري بالمال والسلاح من يروّج لها ولمشروعها الهادف إلى القضاء على دولة لبنان.
في الذكرى الثانية لاستشهاد رفيق الحريري، لا يستطيع من عرف الرجل عن كثب سوى أن يتذكّر كم كان لبنانيا وعربيّاً، كم كان مسكوناً بهاجس لبنان، كم كان غير طائفي، كم كان لكلّ لبنان ولكلّ اللبنانيين. لو لم يكن رفيق الحريري لكلّ لبنان، لما آمن بفكرة تعليم اللبنانيين. علّم رفيق الحريري ما يزيد على خمسة وثلاثين ألف طالب لبناني في أفضل جامعات العالم. علّمهم ثقافة الحياة وليس ثقافة الموت. كان الذين علّمهم رفيق الحريري من كل الطوائف والمذاهب والمناطق. لم يفرّق بين لبناني ولبناني. دعم كلّ الجامعات العاملة في لبنان من أجل دعم العلم والمعرفة والحضارة؟
ولكن يبقى، أن الثمن الأكبر الذي دفعه رفيق الحريري، هو ثمن المحافظة على بيروت بكل ما تعنيه المدينة من معنى. حافظ على "النهار"، حافظ على كلّ حجر في بيروت. حافظ على الجامعات. حافظ على المسرح، "مسرح بيروت". حافظ على المدينة. أعاد الحياة إلى المدينة. أعاد إلى بيروت قلبها. أعاد بناء وسط بيروت. أعاد بناء المكان الذي يلتقي فيه جميع اللبنانيين. المكان الذي يلتقي فيه ابن الشمال مع ابن الجنوب، ابن الجبل مع ابن البقاع، المسيحي مع المسلم، الشيعي مع السني، المسيحي مع الدرزي، الغنيّ مع الفقير ومع المتوسط الحال. أعاد بناء ما يمكن أن يكون حجر الزاوية في اعادة بناء لبنان. أعاد بناء ما لم يكن يستطيع أحد غيره بناءه وذلك ليس من أجل لبنان وحده، بل من أجل كلّ العرب أيضاً. أعاد الأشعاع إلى لبنان. ولذلك اغتالوه لمعرفتهم أن لبنان خطر عليهم وأن بيروت خطر حضاري يجب أن يوضع حدّ له.
الآن بدأنا نفهم لماذا اغتالوا رفيق الحريري والخطورة التي كان يمثّلها رفيق الحريري. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كان ذلك الإصرار لدى "حزب الله"، الحليف الأوّل للنظام السوري، على اقامة مخيّم البؤس والبائسين في وسط بيروت بغية الانتقام من رفيق الحريري والقضاء على مشروع إعادة الحياة إلى لبنان. لا داعي إلى البحث عن تفسيرات لما أقدم عليه الحزب الإيراني وأدواته المستأجرة من ميشال عون إلى وئاب وهّاب ومن هم على شاكلتهما. الهدف واضح كل الوضوح. إنّه يتلخّص باستكمال ما هو مترتّب على اغتيال رفيق الحريري من تدمير للبنان وبيروت بما يصبّ في خدمة الحرب الاسرائيلية على لبنان التي أفتعلها "حزب الله" في الصيف الماضي. الجريمة واضحة وأبطالها معروفون. أبطالها الصغار والكبار، كلّهم معروفون. إنّهم الذين يتهرّبون من المحكمة ذات الطابع الدولي. أولئك الذين هربوا من الحكومة خوفاً من المحكمة... أولئك الذين لا يستطيعون حتّى سماع اسمها! المحكمة لاحقتهم . المحكمة قامت. المحكمة واقع. المحكمة تعني العدالة التي يعملون على التهرّب منها. المحكمة صارت فوقهم. المحكمة هي صوت رفيق الحريري يقول لهم من عليائه إن الدم ينتصر على السيف. ينتصر على الذين اعتقدوا أنهم بقتل رفيق الحريري يقتلون لبنان! لبنان باقٍ. رفيق الحريري باقٍ في كلّ واحد منّا.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00