بعد أيام قليلة، تحلّ الذكرى الثانية لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما، تلك الجريمة التي أدّت إلى زلزال في لبنان والمنطقة، زلزال لا تزال تداعياته مستمرّة. هناك لبنان آخر بعد الجريمة التي لا يزال الذين ارتكبوها يعتقدون أن في استطاعتهم تغطيتها بجرائم كبيرة أخرى عبر سلسلة من التفجيرات والاغتيالات استهدفت مناطق معيّنة فيها أكثرية مسيحية وشخصيّات تنتمي إلى الخط الاستقلالي بدءاً بالزميل الحبيب سمير قصير وانتهاءً بالوزير والنائب الشيخ بيار أمين الجميّل، رمز الوطنية الحقيقية والمستقبل الواعد الذي يطمح إليه شباب لبنان. ما الذي يجمع بين الشهداء الذين استهدفهم القتلة ابتداءً من أوّل تشرين الأول 2004 لدى تعرّض الوزير مروان حمادة لمحاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة؟ يجمع بين كل هؤلاء، أي بين الشهداء رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل، إضافة إلى الشهيدين الحيين الزميلة مي شدياق والوزير الياس المرّ، أن لديهم قضيّة واحدة اسمها قضيّة لبنان الحرّ السيّد المستقل.
ما فعله كلّ من هؤلاء أنّه خدم قضية لبنان على طريقته ومن زاويته الخاصة في مواجهة الحرب التي تعرّض لها ولا يزال يتعرّض لها البلد من أجل إبقائه "ساحة" يستخدمها المحور الأيراني ـ السوري في عملية ابتزاز المجتمع الدولي بهدف التوصل إلى صفقات على حساب لبنان واللبنانيين مع الادارة الأميركية أو أوروبا، وخصوصاً مع اسرائيل. وكانت المفاجأة الكبرى التي واجهت القتلة اكتشافهم أن لبنان بقي صامداً ولم يخضع على الرغم من كلّ ما تعرّض له من ضغوط وعلى الرغم من وجود رئيس للجمهورية أراد منذ اللحظة الأولى لاغتيال رفيق الحريري تغطية الجريمة عبر العبث بمسرحها. مَنْ يتذكّر كلام فخامته عن ضرورة عودة الحياة في البلد إلى طبيعتها في الجلسة الأولى التي عقدها مجلس الوزراء بعد تفجير موكب الرئيس الحريري؟ مَنْ يتذكّر كيف صدرت التعليمات من أجل عمل كل شيء كي يعاد فتح الطريق أمام السان جورج وكأنّ الجريمة لم تقع، وكأنّ رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما لم يستشهدوا... وكأن ما حصل حادث عابر أو "رذالة" على حدّ تعبير فخامة الرئيس...
منذ اغتيال رفيق الحريري والحرب مستمرّة على لبنان. ستزداد الحرب ضراوة لأنّ لبنان يقاوم. الشعب اللبناني يقاوم على الرغم من كلّ ما يتعرّض له من ظلم على يد قوى الظلام والظلامية التي سعت منذ الساعة الأولى إلى العمل على تغطية المجرمين والجريمة. مَنْ يريد دليلاً على ذلك أقوى من تظاهرة الثامن من آذار ـ مارس 2005 التي نظّمها "حزب الله" وحشد فيها الآلاف من أنصاره من أجل إعلان وقوفه مع النظام السوري؟ كيف يمكن لحزب يعتبر نفسه لبنانياً وضع نفسه في خدمة نظام أقل ما يمكن قوله أنّه المتّهم الأول في قضية اغتيال رفيق الحريري؟
منذ فشل رئيس الجمهورية في إعادة فتح الطريق أمام السان جورج، ومنذ فشلت تظاهرة الثامن من آذار في تحقيق أهدافها، اتخذت الحرب على لبنان أشكالاً مختلفة عبر التفجيرات والاغتيالات وإغلاق الحدود السورية بعض الوقت. الآن دخلت الحرب مرحلة جديدة بعدما تبيّن أن مقاومة المجتمع اللبناني للانقلاب الذي ينفّذه المحور الأيراني ـ السوري عبر "حزب الله" مقاومة حقيقية يعتبر صمود حكومة الرئيس فؤاد السنيورة أفضل تعبيراً عنها. استمرت الحرب على لبنان حتى عبر استدراج اسرائيل إلى شن عدوان على البلد. لقد افتعل "حزب الله" حرباً سمحت لاسرائيل بتدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية وتهجير آلاف المواطنين من منازلهم وقراهم، لكنّ لبنان بقي صامداً وبقي فيه من يقول كلمة حق في وجه العدو الاسرائيلي من جهة وأعداء الداخل المتواطئين معه من حيث يدرون أو لا يدرون من جهة أخرى.
صمود لبنان مستمرّ على الرغم من "الغزوة" التي يقوم بها "حزب الله" وأدواته من مستوى ميشال عون ووئام وهّاب لبيروت ووسطها، استكمالاً للحرب الاسرائيلية على لبنان. انّه مستمرّ على الرغم من الضغوط التي تمارس على رئيس مجلس النّواب الرئيس نبيه برّي الذي صار أشبه بلاجئ سياسي لدى الحزب الالهي. وكانت آخر وقفة صمود للبنانيين يومي الثلاثاء والخميس الأسودين في الثالث والعشرين والخامس والعشرين من الشهر الماضي. أسقطوا ميشال عون وعرّوه في المناطق المسيحية وكشفوا في المناطق الأخرى أن المحاولات التي يقوم بها "حزب الله" لإثارة فتنة سنّية ـ شيعية، ستعود عليه بأضرار كبيرة. واضطره ذلك إلى مراجعة حساباته والانتقال في حملاته من التركيز على تيار المستقبل... إلى التركيز على الزعيم الوطني وليد جنبلاط وقائد "القوّات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع بصفتيهما الدرزية والمسيحية.
بعد سنتين على اغتيال رفيق الحريري، يمكن القول إن الحرب على لبنان قائمة وإن مقاومة اللبنانيين باقية. يتبيّن الآن أن ما حصل في ذلك اليوم المشؤوم كان إعلان حرب على لبنان، لبنان الذي لا يزال يقاوم معتمداً على الحصن الأخير للشرعية الذي تمثّله الحكومة وعلى المجتمع الدولي المتمسّك بالمحكمة ذات الطابع الدولي التي تربط بين كلّ الجرائم التي وقعت على أرض لبنان منذ محاولة اغتيال مروان حمادة. فاجأت مقاومة اللبنانيين القتلة. سيتفاجأون أكثر عندما سيكتشفون أن جريمة اغتيال رفيق الحريري في حجم جريمة اجتياح صدّام حسين للكويت. معروف جيّداً كيف كانت نهاية صدّام!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.