ليس بواسطة عملية انتحارية، على شكل تلك التي استهدفت منتجع إيلات الإسرائيلي أخيراً وأدّت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين يمكن استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. كان ملفتاً بعد تلك العملية التي لا يمكن ان تخدم القضية الفلسطينية في شيء، صدور بيان يوحي بأنّ "فتح" مشاركة فيها، أي أن نصف الانتحاري الذي نفّذها من "فتح" ونصفه الآخر من "حماس". إلى أن تبيّن أن الشاب المغرّر به لا علاقة له بـ"فتح" أو"حماس"، وأنّه مرتبط بـ"الجهاد الإسلامي" وهي حركة تابعة مباشرة، حتى أكثر من "حماس"، للمحور الإيراني ـ السوري. بل هي ذراعه في الأراضي الفلسطينية بدليل أستمرارها، على الرغم من الهدنة التي أعلنتها "حماس"، في أطلاق الصواريخ المضحكة ـ المبكية من قطاع غزّة في أتجاه الأراضي الإسرائيلية لتأكيد أن إسرائيل التي تمارس الإحتلال هي الضحية... في حين أنّها دولة إرهابية. هل من خدمة أكبر من هذه الخدمة تُقدّم لإسرائيل وللإحتلال؟ هل صدفة أن حكومة أيهود أولمرت اختارت الردّ على عملية إيلات بتغيير مسار "الجدار الأمني" كي يضمّ مزيداً من المستعمرات والتجمّعات السكانية المقامة في عمق الضفة الغربية المحتلّة!
لا يحصل شيء في الضفّة الغربية أو قطاع غزة، أو داخل "الخط الأخضر"، أي أراضي 1948، صدفة. تبدو كلّ عملية انتحارية مرتبطة بأجندة سياسية في غاية الوضوح هدفها إجهاض أي محاولة تستهدف إعادة الحياة إلى العملية السلمية. هناك بكل بساطة حلف غير معلن بين المتطرّفين العرب وغير العرب من جهة والمتطرفين في إسرائيل من جهة أخرى. هذا الحلف يعمل بطريقة عجيبة غريبة بمنتهى التنسيق بين أعضائه من دون حاجة إلى التشاور في ما بينهم. ما أن يتبين أن هناك إشارات إلى أحتمال تحقيق تقدّم في مجال البحث عن تسوية، يحصل شيء ما. هناك خيط غير رفيع يربط بين كلّ العمليات الإرهابية التي وقعت منذ توقيع إتفاق أوسلو في العام 1993. ما لا بدّ من تذكّره باستمرار أن العملية الأولى الهادفة إلى إحباط التسوية لم تكن فلسطينية، بل نفّذها إرهابي إسرائيلي هو باروخ غولدشتاين في الخامس والعشرين من شباط من العام 1994. قتل غولدشتاين وقتذاك تسعة وعشرين مدنياً وأصاب نحو مئة وخمسين آخرين بجروح داخل الحرم الإبراهيمي في الخليل بعدما فتح النار على المصلّين بشكل عشوائي...
هذه المرة أيضاً، كانت عملية مدروسة في إيلات. الهدف واضح. أنّه يتلخّص بالإيحاء بأن "فتح" منقسمة على نفسها عبر توريطها بطريقة ما بالعملية الانتحارية وإظهار أن هناك جناحاً فتحاوياً ينسّق مع "حماس" في المسائل المتعلقة بعمليات من هذا النوع. كان ذلك أحد الأهداف المتعددة للعملية التي تعود أهمّيتها إلى التوقيت الذي الذي حصلت فيه. وفي سياق العملية، كان مطلوباً الإساءة إلى الأردن، ولذلك تعمّد الذين وراء العملية الإشارة إلى ان الانتحاري دخل إيلات من الأراضي الأردنية. وهذا يشير إلى وجود نية للإنتقام من بلد لعب دوراً في العمل من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية وفي رأب الصدع بين "فتح" و"حماس". حاول الأردن ذلك حماية لمصلحة الفلسطينيين ومصلحة الأردن في المدى البعيد وهي مصلحة واحدة. وتبيّن لاحقاً أن ربط العملية بالأردن وبالتسلل من الأردن كذب بكذب ليس إلاّ.
ما قد يساعد في فهم ما حصل، أن عملية إيلات، المدانة والخطيرة في آن، نُفّذت فيما كانت الإشتباكات مستمرة بين "فتح" و"حماس" في غزة، وفيما كانت عمليات خطف متبادلة بين الجانبين. لم تتوقف العمليات سوى بعد التوصل إلى اتفاق لوقف النار إثر اكتشاف "حماس" أنها ضعيفة عسكرياً في الضفة الغربية وأنّها لن تستطيع ممارسة إرهابها في غزّة من دون ثمن غالٍ تدفعه في الضفة. أراد الذين يقفون وراء العملية الانتحارية توجيه رسالة فحواها أن الوقت ليس وقت المواجهة بين "فتح" و"حماس".
لا يمكن لأي عربي صادق الوقوف في وجه أي محاولة لوقف التصعيد بين "فتح" و"حماس". ولكن لا يمكن في الوقت ذاته تجاوز الحقيقة والقول أن العملية الانتحارية في إيلات تستهدف وقف المواجهة بين "فتح" و"حماس" بمقدار ما أنّ هدفها الحقيقي التعمية عن الواقع وتغطيته. هناك حالياً فرصة أمام الفلسطينيين. هناك رغبة دولية في إقامة دولة فلسطينية. هناك ضياع في إسرائيل. هناك شعور بأن لا بدّ من أيجاد حلّ مع الفلسطينيين. وفي حال كان على المرء أن يكون أكثر صراحة، لا مفرّ أمامه من الإعتراف بأنّ العالم يريد إقامة دولة فلسطينية وأن الإسرائيليين على استعداد حتى للبحث في موضوع مستقبل القدس. هل يستغلّ الفلسطينيون هذه الفرصة أم تضيع عليهم كما ضاعت فرص كثيرة في الماضي؟ الأرجح أن الفرصة الجديدة ستضيع في غياب حكومة تمتلك برنامجاً سياسياً ذا علاقة بما تطلبه الأسرة الدولية. ستضيع الفرصة، نظراً إلى أن "حماس" لا تعرف ما الذي تريده وربّما لأنها تعرف جيّداً ما الذي تريده. تريد السلطة ولا تريد الدولة. تريد إبقاء الشعب الفلسطيني وقوداً في صراعات ذات طابع إقليمي لا علاقة له بها. ولهذا السبب، لم تصدر إدانة من "حماس" لعملية إيلات. إنها مع كلّ ما يمكن أن يعرقل التسوية. بالنسبة إلى "حماس" السلطة أهم بكثير من الدولة. رهانها على الوقت. ولكن هل يعمل الوقت لمصلحة القضية الفلسطينية؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.