8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أبو مازن في دمشق.. زيارة أكثر من ضرورية

أظهر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) مرة أخرى رغبته في الانفتاح على كل الحلول والتقاط الفرص المتوافرة عندما زار دمشق والتقى الرئيس بشار الأسد في اطار سعيه لإخراج الوضع الفلسطيني من المأزق الذي يعاني منه. كان لا بد من زيارة دمشق لسببين على الأقل الأول ان النظام السوري يعتبر نفسه معنياً بشكل مباشر بالشأن الفلسطيني، بصفة كونه ورقة من أوراقه، والآخر ان القيادات النافذة من أمثال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" أو "الجهاد الاسلامي" موجودة في دمشق. هذه القيادات ليست موجودة في دمشق فحسب، بل تنسق معها في كل شاردة وواردة أيضاً من منطلق انها امتداد للمحور الايراني ـ السوري ورأس حربة له في فلسطين على غرار ما ان "حزب الله" رأس حربة للمحور في لبنان.
كانت زيارة "أبو مازن" لدمشق أكثر من ضرورية نظراً إلى ان رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية سيكون قادراً بعدها على معرفة ما اذا كان في الامكان تشكيل حكومة فلسطينية جديدة. والأهم من ذلك، ما اذا كانت هذه الحكومة ستكون قادرة على الخروج ببرنامج سياسي واضح يمكن السلطة الوطنية من مواجهة الاستراتيجية الاسرائيلية، تلك الاستراتيجية التي تقوم على أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.
ربما يشعر "أبو مازن" أيضاً أن لا بد من محاولة الاطلاع بشكل مباشر على ما اذا كان هناك تغيير في الموقف السوري مع ما سيؤدي إليه ذلك من انعكاسات على تصرفات المنظمات الفلسطينية التابعة لمحور طهران ـ دمشق. مثل هذا التفكير ذو طابع عملي، علماً بأن على رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية أن يأخذ في الاعتبار العامل الايراني ومدى النفوذ الذي تمتلكه طهران على دمشق وليس العكس. ومن هذا المنطلق، فإن أي كلام سيسمعه عن الاهتمام السوري بالوحدة الوطنية الفلسطينية سيكون كلاماً فارغاً من أي معنى أو مغزى في حال لم يلمس تغييراً في الخطاب السياسي لـ"حماس". والى إشعار آخر، لا يبدو أن هذا التغيير وارد ما دام خالد مشعل لا يزال يعتقد مع آخرين في "حماس" ان في الامكان اللعب على الكلام وأن ليس مطلوباً ان يكون هناك برنامج سياسي فلسطيني تلتزمه الحكومة يؤكد بوضوح التزام الاتفاقات التي توصلت إليها منظمة التحرير الفلسطينية.
في الامكان الحديث عن نقاط ضعف كثيرة في شخصية "أبو مازن"، لكن ما لا يمكن تجاهله انه يتمتع بميزتين مهمتين هما الصدق والصراحة. وهذا يجعل مواقفه في غاية الوضوح لا تحتمل أي لبس. لذلك، جاء إلى دمشق لعلّ ذلك يساعده في معرفة ما اذا كان في الإمكان تشكيل حكومة فلسطينية تعتمد برنامجاً يتفق والمواصفات الدولية التي ليست بالضرورة اسرائيلية أو أميركية. وهذا يقود إلى التساؤل: هل يتخذ النظام السوري موقفاً يقضي بالتوقف عن المتاجرة بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين واستخدامهم وقوداً في معارك لا تفيد قضيتهم في شيء؟. هل هناك "حماس" واحدة قادرة أن تبني على الكلام الذي صدر عن خالد مشعل الذي اعتبر اسرائيل "أمراً واقعاً"، أم أن كل ما في الأمر مجرد لعب على الكلام لا أكثر؟. والأهم من ذلك كله ما هو التأثير الايراني على "حماس" والنظام السوري وما هامش المناورة الذي أبقته لهما طهران؟.
كان لا بدّ من المجيء إلى دمشق لتحديد الخطوة المقبلة للرئاسة الفلسطينية في ظلّ أجواء دولية تدفع في اتجاه التسوية، أقلّه على الصعيد الفلسطيني، وفي غياب شخصية قيادة قادرة على اتخاذ قرار حاسم في اسرائيل باستثناء وزيرة الخارجية تسيبي ليفني الذي نقل مسؤول عربي عنها انها على استعداد لتسوية معقولة ومقبولة تأخذ في الاعتبار حاجة الفلسطينيين إلى دولة مستقلة ذات أراض متصلة ببعضها بعضاً.
منذ توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993، لم يزر ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، دمشق سوى مرتين. الأولى للبحث مع الرئيس الراحل حافظ الأسد في مرحلة ما بعد الاتفاق والثانية للتعزية بالأسد الأب في السنة 2000. بعد ذلك، انقطع عن دمشق. كان سيزورها في احدى المرات للاجتماع ببشار الأسد، لكن الوسيط الخليجي كان فاشلاً ولم يحسن ترتيب الزيارة. أما "أبو مازن" الذي لديه رأي بالنظام السوري أسوأ حتى من رأي "أبو عمار"، فقد زار دمشق مرتين منذ توليه الرئاسة حديثاً وهذا يدل على زوال الحساسيات بين الجانبين، وهي حساسيات كان يغلب عليها الطابع الشخصي. كان هناك نفور متبادل بين حافظ الأسد وياسر عرفات، خصوصاً ان الأسد كان يرى في "أبو عمار" زعيم "فتح" وصاحب نظرية القرار الفلسطيني المستقل الذي كان الأب يعتبره "بدعة".
هل زيارة دمشق تقدّم أو تؤخر في هذه الأيام؟. لا مفر من انتظار النتيجة. يبقى كل شيء معلقاً على النجاح في بلورة البرنامج الحكومي الفلسطيني الواضح الذي يمكن ان يفتح الأبواب امام تسوية في فلسطين يسعى إليها المجتمع الدولي.
في غياب مثل هذه النتيجة العملية، يمكن ادراج الزيارة في مجال العلاقات العامة. انها لا تفيد ولا تضر. أكثر من ذلك، يستطيع النظام السوري استخدامها لاقناع نفسه بأنه لا يعاني عزلة عربية أو دولية وأن أوراقه الاقليمية لا تزال صالحة أكان ذلك في العراق أو لبنان أو فلسطين... ألم يكن الرئيس العراقي جلال طالباني في دمشق أيضاً وغادرها يوم وصول "أبو مازن"؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00