هل النظام في سوريا جدّي في الدخول في مفاوضات مع اسرائيل ام ان الموضوع كلّه موضوع سعي إلى كسب الوقت لا أكثر ولا أقل؟ يفترض في الجانب الاسرائيلي، في حال كان مهتماً بالسلام فعلاً، امتحان النيّات السورية بدلاً من التهرّب من المفاوضات مستخدماً حججاً مختلفة وواهية في آن بما في ذلك أنّ الجانب السوري يطرح شروطاً مسبقة على رأسها العودة الى المفاوضات من حيث انتهت مع أخذ في الاعتبار لما تسمّيه دمشق "وديعة رابين".
لا يمكن إلاّ القول ان النظام السوري جدّي، أقلّه ظاهراً، في العودة الى التفاوض مع اسرائيل. وبدا ذلك واضحاً في المؤتمر الذي استضافته قبل أيّام العاصمة الاسبانية في مناسبة مرور خمسة عشر عاماً على انعقاد مؤتمر مدريد. في هذا المؤتمر الذي شاركت فيه سوريا عبر اثنين من كبار الموظفين فيها هما الدكتور رياض الداوودي المستشار القانوني للرئاسة والخارجية والسيّدة بشرى كنفاني الناطقة باسم وزارة الخارجية، تحدّى عضوا الوفد السوري الاسرائيليين الذين حضر عدد كبير منهم الى مدريد. كان الطرح السوري موفّقاً، خصوصاً انّه لم يكن بين الاسرائيليين متخصص بملفّ المفاوضات مع سوريا. وفي مقابل نقاط عدّة سجّلها الداوودي، الذي لم يجد من يعترض على عرضه لتسلسل المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية، لم يكن امام الاسرائيليين سوى طرح سؤال في غاية الاهمّية. هذا السؤال يتعلّق بالسلام الذي تسعى إليه سوريا، هل هو سلام على الطريقة المصرية (معاهدة 1979) أو الاردنية (اتفاق وادي عربة في العام 1994)، ام ان سوريا تريد ان تكون عرّاب السلام في المنطقة التي يشمل لبنان وفلسطين أيضاً.
ربّما كان على النظام السوري توضيح ما الذي يريده وذلك بغية حشر العدو الاسرائيلي في الزاوية كثر. ربّما عليه ابلاغ الاسرائيليين انّ لبنان ليس في حاجة الى اتفاق سلام معهم وذلك لسبب في غاية البساطة هو انه في غنى عن مثل هذا الاتفاق، خصوصاً انّه ليس في وارد ابتزاز احد وليس حتى في وارد استرضاء احد. لبنان لا يمكن إلاَ ان يكون آخر دولة عربية تتوصل الى سلام مع اسرائيل. ولذلك ليس مطلوباً المتاجرة به واستخدامه ورقة في الضغط على اسرائيل وغير اسرائيل. اما الجانب الفلسطيني فهو في حالة يرثى لها ما دامت هناك حكومة فلسطينية شكّلتها "حماس" وضعت نفسها في خدمة الذين يروّجون لمقولة انّ لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.
في سياق الهجوم الديبلوماسي الذي يشنّه النظام السوري في هذه الايام ومن اجل ان تكون لهذا الهجوم صدقيّة معيّنة، لا بدّ من العودة باستمرار الى نقطة ارتكاز اساسية هي لبنان. من يريد احراج اسرائيل حقّاً لا يسعى الى تدمير لبنان والى عمل كل شيء من اجل اثارة الحساسيات الطائفية والمذهبية فيه كما يحصل في هذه الايّام. ان التصرّفات السورية في لبنان لا تصب في نهاية المطاف سوى في مصلحة اسرائيل. أيُّ دعم لأيّ حزب كان من لون مذهبي معيّن خدمة لاسرائيل. ومن هذا المنطلق، كلّ ما يمكن قوله ان ثمّة فارقاً بين البحث عن السلام والمناورات السياسية. السلام يخدم سوريا ولبنان والفلسطينيين في آن معاً ويضع اسرائيل في الزاوية. المناورات خدمة لإسرائيل لا أكثر ولا أقلّ. من يريد السلام حقيقة يتصرّف بطريقة مختلفة إن في لبنان أو في فلسطين. من يريد السلام يدعم الحكومة الشرعية اللبنانية بدلاً من العمل على اسقاطها مراهناً على رئيس للجمهورية مرفوض من المجتمع الدولي وعلى "حزب الله" الايراني. من يريد السلام يسعى الى إقناع حكومة "حماس" بأن سياستها الحالية افضل خدمة تقدم لإسرائيل وأن البديل من هذه السياسة نهج واضح تؤكّد بموجبه الحكومة التزام الاتفاقات السابقة الموقعة مع اسرائيل والبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
من حق النظام السوري استخدام الاوراق التي لديه من اجل اجبار اسرائيل على الانسحاب من الجولان، من كل الجولان. ولكن ليس من حقه لعب دور تخريبي في لبنان وفي فلسطين. مثل هذا الدور ليس أوراقاً. مثل هذا الدور يخدم الاستراتيجية الاسرائيلية ولا يخدم في أي شكل السلام. على العكس من ذلك انّه يخدم الذين يعتاشون من حال اللاسلم واللاحرب في المنطقة المستمرّة منذ العام 1973. الى الآن كانت اسرائيل المستفيد شبه الوحيد من هذه الحال خصوصاً انّها خلقت امراً واقعاً جديداً في الضفة الغربية والقدس. هل يعي النظام السوري هذا الواقع... ام يعتقد انه يكفي التلويح بالسلام كي يصرف العالم النظر عن تورّطه بطريقة أو بأخرى في الجرائم التي كان لبنان مسرحاً لها بدءاً بمحاولة اغتيال مروان حماده وانتهاء باستشهاد بيار امين الجميّل مروراً باستشهاد رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني.
من حق أي لبناني ان يسأل هل النظام السوري يريد السلام، ام يريد التلويح به لاغراض لا علاقة لها بالسلام متكّلاً على ان عدوتنا اسرائيل دولة عدوانية لا تريد السلام؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.