كم هو طريف النائب ميشال عون عندما يقول إن للمعارضة نفساً وصبراً أطول من نفس "البسينات" أي القطط. كان ملفتاً، على الرغم من أنّ لا بدّ من الإعتذار من القطط، أن صحفاً عدة في بيروت تجاهلت إشارة عون الى "البسينات" ومقارنة نفسه بـ"البسينات" من منطلق أن المطلوب عدم كشف كم أن لا علاقة لهذا النائب بالسياسة وبحدّ أدنى من اللغة الحضارية، بأيّ لغة حضارية... وبما يدور في لبنان. المطلوب تغطية الفظاعات والحماقات التي يرتكبها الأستاذ عون في ظروف اقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها مصيرية بالنسبة الى لبنان والمنطقة.
في النهاية، ليس مطلوباً أكثر من وضع عون في مكانه الحقيقي وفي حجمه الحقيقي. إنّه مجرّد أداة لدى "حزب الله" الذي يدير حالياً اللعبة الهادفة الى إلحاق لبنان بالمحور الأيراني ـ السوري الذي لا طموح لديه سوى استخدام ما يعتبره أوراقاً في العراق وفلسطين ولبنان من أجل التفاوض مع "الشيطان الأكبر" الأميركي و"الشيطان الأصغر" الإسرائيلي. كلّ ما تبقى تفاصيل. ميشال عون تفصيل. وكان في الإمكان، وحتّى من الأفضل، تجاهله لو لم يكن الدور الذي وُظّف من أجله يساهم في الإساءة الى لبنان واللبنانيين وفي تغطية الحملة الشرسة التي يتعرّض لها لبنان والتي تستهدف إلغاءه من أجل إلغاء المحكمة ذات الطابع الدولي التي يفترض بها أن تنظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
يمتلك ميشال عون وغير ميشال عون نفساً طويلاً. النفس الطويل عائد من دون شك الى القدرات التي توفّرها إيران من أجل استمرار عملية القضاء على لبنان استكمالاً للحرب الإسرائيلية على البلد الصغير. ولكن من أجل ماذا هذا النفس الطويل، نفس "البسينات" على حد تعبير الأستاذ عون؟ هل من أجل القضاء على لبنان وقول كلام من النوع المضحك المبكي عن الدين وتناسي الظروف والعوامل التي أدّت الى تراكم الدين وزيادته بدءاً بالممارسات التي كان بطلها رجال سوريا في لبنان من سوريين ولبنانيين بدءاً برستم غزالي وقبله معلّمه غازي كنعان وانتهاءً بالصغار الصغار الذين تورّطوا في فضيحة "بنك المدينة"، مروراً، بطبيعة الحال بالفضيحة التي اسمها الكهرباء ومن يدفع ومن لا يدفع فاتورة الكهرباء من بين المواطنين اللبنانيين. إنّها فضيحة تتناول كلّ من عمل على عرقلة أيّ عملية شفافة تستهدف الإتيان بالتيّار الكهربائي الى جميع اللبنانيين على أن يدفعوا جميعاً المترتّب على كلّ منهم، إنطلاقاً من مبدأ المساواة في المواطنية بدل أن تظلّ الكلفة مقتصرة على قسم من اللبنانيين ذنبهم أنّهم لا يحملون السلاح ولا ينتمون الى تلك التركيبة الأمنية التي غطّت فضيحة "بنك المدينة". هذه الفضيحة ستكشف عاجلاً أم آجلاً وسيتبيّن كيف يستخدم أمثال النائب عون في تغطيتها مثلما يستخدمون في تغطية كلّ الجرائم الأخرى التي استهدفت لبنان بدءاً بمحاولة اغتيال الوزير والنائب مروان حماده وانتهاءً باغتيال الوزير والنائب الشيخ بيار أمين الجميّل مروراً باغتيال الرئيس رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما والزميل الحبيب سمير قصير والمناضل العربي الصادق جورج حاوي والأخ الحبيب جبران تويني الذي عرف كيف يوظّف "النهار" في معركة الاستقلال، من دون نسيان ما تعرّضت له الزميلة ميّ شدياق والوزير الياس المرّ لا لشيء سوى لأنهّما شاهدان على الظلم الذي تعرّض له وما زال يتعرّض له لبنان.
صارت اللعبة مكشوفة. هناك محور إيراني ـ سوري يمتلك أهدافاً واضحة تصب في اتجاه واضح يتمثّل في إدارة ثلاث حروب أهلية في العراق ولبنان وفلسطين من أجل تحسين موقع طرفي المحور في عملية التفاوض مع الأميركيين والإسرائيليين. وما لا يمكن تجاهله في أي وقت أن هذا المحور كان يمكن أن يكون مكشوفاً أكثر مما هو مكشوف لولا استعانته بأداتين الأولى مسيحية والأخرى سنّية لتغطية أهدافه الحقيقية. ميشال عون ليس سوى إحدى هاتين الأداتين. أما الأداة الأخرى فهي "حماس" التي أظهرت الأسابيع الأخيرة أنّها موجّهة من خارج، أي من دمشق وطهران تحديداً. لو لم يكن الأمر كذلك بالنسبة الى عون، كيف يمكن لمهرّج برتبة "جنرال" السكوت عن الحرب التي تسبب بها "حزب الله" الصيف الماضي وأن لا يطرح ولو مجرّد سؤال عن الخسائر التي تسببت بها هذه الحرب التي كان لبنان ضحيّتها الأولى والأخيرة! ولو لم يكن الأمر كذلك، كيف يمكن لحركة مثل "حماس" أن لا تطرح ولو سؤالاً واحداً عن كلفة أسر جندي إسرائيلي قبل ستّة اشهر وهل هناك ما يبرر استشهاد ما يزيد على ثلاثمئة فلسطيني من أجل أسير إسرائيلي تبدو دولته على استعداد للتضحية به في كلّ لحظة. ولنفترض أن إسرائيل مهتمّة بالأسير، هل هناك ما يبرر الإقدام على مثل هذا العمل الأرعن ما دام الإحتلال قادراً على أسر عدد لا بأس به من النواب والوزراء المنتمين الى "حماس" وإذلالهم بشكل يومي ومتابعة مشروعه الإستعماري المتمثل في بناء "الجدار الأمني"؟ هل الأوامر الصادرة من دمشق وطهران تبرّر كل هذا الذلّ اللاحق بالشعب الفلسطيني. هل مطلوب تغطية الذل الذي لحق بكلّ فلسطيني عن طريق افتعال حرب أهلية فلسطينية ـ فلسطينية؟ الحرب الأهلية في فلسطين لا تغطي الذل. والحرب الأهلية في لبنان لن تلغي المحكمة الدولية ولن تقود الى توفير موقع أفضل، على الصعيد الإقليمي، للمحور الإيراني ـ السوري الساعي الى صفقة مع أميركا وإسرائيل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.