8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

من لبنان الى فلسطين.. القضية واحدة

ما الذي يحصل في فلسطين؟ ما الذي يحصل في قطاع غزّة بالذات؟ هل يمكن الحديث عن حرب أهلية فلسطينية بعدما تبيّن أن "حماس" غير قادرة على ضبط الميليشيا التابعة لها وأن السلطة الوطنية ممثّلة بالرئاسة لم تعد في وضع يسمح لها بالتعايش مع الوضع الراهن. ولكن ما هو الوضع الراهن الذي لا يمكن التعايش معه؟
إنّه فوضى السلاح ولا شيء آخر. هذه الفوضى التي قادت وتقود الشعب الفلسطيني مباشرة الى الكارثة وذلك بعد سنة من إجراء انتخابات حرّة أصرّت عليها الإدارة الأميركية، بل أصرّت على أن تكون في موعدها مع العلم المسبق بأنّ "حماس" ستخرج منتصرة وستتمكّن تالياً من تشكيل حكومة. من يعرف أن الإدارة الأميركية كانت مصرّة على الإنتخابات في موعدها ومن يعرف أيضاً أن الحكومة الإسرائيلية لم تعترض على ذلك، بل سهّلت اجراء الإنتخابات ، يدرك أنّ المطلوب توريط الشعب الفلسطيني في حرب أهلية سببها الأساسي فوضى السلاح التي في أساسها رفض "حماس" للسلطة الوطنية والأجهزة التي شكّلتها. والدليل على أن الإدارة الأميركية سهّلت إجراء الإنتخابات في موعدها، أنّ اتصالاً هاتفياً أجرته كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية مع الإسرائيليين كان كافياً لتذليل أي عقبة في طريق مشاركة فلسطينيي القدس في الإنتخابات. لقد سهّلت الإدارة الأميركية اجراء الإنتخابات وسهّلت بالتالي تشكيل "حماس" لحكومة خاصة بها تقف في وجه الرئاسة الفلسطينية بدل أن تكون سنداً لها.
في النهاية، استُخدمت "حماس" في عملية لا هدف لها سوى إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية. ما يحصل الآن أن "حماس" تكمل ما هو مطلوب منها استكماله أي أن تكون وسيلة لجعل الشعب الفلسطيني وقوداً في حروب لا مصلحة له فيها. إنها حروب تصبّ في خدمة السياسة الإسرائيلية المرتكزة على نظرية أن لا وجود شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.
منذ وصول أرييل شارون الى رئاسة الحكومة في إسرائيل في شباط من العام 2001 وتشكيل حكومته الأولى بعد شهر واحد من ذلك، اعتنقت إسرائيل عقيدة غياب الشريك الفلسطيني بغية متابعة سياسة تستهدف تكريس الإحتلال لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. لم تحسن "حماس" التي تخلّت عن القرار الفلسطيني المستقل سوى وضع نفسها في خدمة من يسعى الى استخدام الشعب الفلسطيني وقوداً في الصراعات الأقليمية. والأكيد أن ارتداء رئيس الوزراء الفلسطيني السيّد اسماعيل هنيّة الزي العربي التقليدي لن يغطي واقعاً لم يعد في الإمكان تجاهله أو تجاوزه. يتمثّل هذا الواقع في أن "حماس" صارت جزءاً من الاستراتيجية التي يعتمدها المحور الإيراني ـ السوري. أكثر من ذلك، إنّها رأس حربة لهذه الاستراتيجية وهي تستخدم في عملية تضليل لا تنطلي سوى على السذّج، تماما كما يستخدم ذلك المهرّج برتبة "جنرال" في لبنان في محاولة لإظهار أن الحملة على الشرعية اللبنانية ممثلة بالحكومة ليست بتوجيه من "حزب الله" الإيراني.
تلعب "حماس" حالياً الدور ذاته الذي يلعبه المهرج برتبة "جنرال" في لبنان. الهدف واضح كلّ الوضوح وهو أن يفاوض المحور الإيراني ـ السوري "الشيطان الأكبر" الأميركي و"الشيطان الأصغر" الإسرائيلي على حساب الشعبين اللبناني والفلسطيني ومصالحهما. على من يحتاج الى تأكيد لهذا الواقع أن يسأل نفسه هل صدفة أن هناك فوضى سلاح في لبنان وفلسطين؟ هل صدفة أن مصدر فوضى السلاح في المكانين المصدر ذاته؟
مرّة أخرى لم تعد هناك أسرار في لبنان. الجديد انّه لم تعد هناك أسرار في فلسطين أيضاً. المعلّم واحد والمطلوب واحد وهو المتاجرة بفلسطين والمتاجرة بلبنان وبالشعبين الفلسطيني واللبناني. لو لم يكن الأمر كذلك، هل كان "حزب الله" نقل الجبهة من جنوب لبنان الى وسط بيروت في مواجهة السرايا الحكومية مستكملاً الحرب الإسرائيلية على لبنان وعلى كلّ ما هو حضاري في لبنان؟ ولو لم يكن الأمر كذلك، هل كانت "حماس" شكّلت ميليشيا خاصة بها سمّتها "القوّة التنفيذية" وألحقتها بوزارة الداخلية بمعزل عن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية التي هي نواة الدولة المستقلّة التي يحلم بها كلّ فلسطيني؟
ما أظهرته تطورات الأيام القليلة الماضية أن "حماس" مصرّة على لعب دور رأس الحربة للمحور الإيراني ـ السوري وأنّها فقدت عمليّاً دور الحركة المستقلة التي على علاقة بالداخل الفلسطيني. على العكس من ذلك، تبيّن أن السيّد هنيّة مسيّر من "حماس" دمشق وطهران وأن لا علاقة له بالقرار الفلسطيني المستقل بمقدار ما أنّه على علاقة بالأوامر التي تُصدّر له والتي تقضي بنشر فوضى السلاح. ولذلك مطلوب منه الردّ على قرار الرئيس الفلسطيني القاضي بحل ميليشيا "حماس" بإعلان أن عديد الميليشيا سيرتفع من خمسة آلاف الى اثني عشر ألفاً بما يفرح قلوب الإسرائيليين تماماً كما يفرحهم نشر "حزب الله" خيام البؤس في وسط بيروت...
حرب أهلية في فلسطين ومساع يومية لافتعال صدامات في لبنان عن طريق "حزب الله" أحياناً أو عن طريق أدواته المتمثلة بـ"الجنرال" البرتقالي أو بأيتام النظام الأمني السوري ـ اللبناني الذين استعادوا حيويتهم، من وئاب وهّام الى سليم الحص في أحيان أخرى... القضية تبدو واحدة. إنها قضيّة المتاجرة بلبنان وفلسطين من أجل الحصول على شروط أفضل في مساومات قد تحصل أو قد لا تحصل مع الأميركيين والإسرائيليين لا أكثر ولا أقل.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00