الآن، وقد مرّت أيّام على إعدام صدّام حسين بطريقة معيبة للذين أعدموه، لا بدّ من امتلاك ما يكفي من الشجاعة بغية التفكير مليّاً في الظروف التي أدّت الى اعدام الرئيس العراقي المخلوع الذي لا علاقة له بما يدور حوله لا من قريب ولا من بعيد. حتى اللحظة الأخيرة، كان صدّام وفيّاً لصدّام. لم يفهم صدام شيئاً عن المنطقة والعالم وما كان مقدّراً له أن يفهم يوماً ما شيئاً عمّا يدور في المنطقة والعالم والعراق نفسه.
كان يفترض بالحكّام الجدد للعراق الترفّع عن الانتقام. الدول لا تنتقم. هناك شيء اسمه العدالة. لا يمكن التذرّع بـ"العدالة الإلهية" لتبرير الإنتقام. من يمتلك شرعية حقيقية لا ينتقم. من يمتلك شرعية حقيقية لا يتصرّف بطريقة ميليشوية. على العكس من ذلك من يمتلك شرعية حقيقية يمارس التسامح. لم يكن مطلوباً ممارسة أيّ نوع من التسامح مع صدّام حسين بمقدار ما أنّه كان مطلوباً ترك العدالة تأخذ مجراها. وأن تأخذ العدالة مجراها يعني قبل أي شيء آخر أن تكون هناك محاكمة عادلة، محاكمة تغطّي كلَ الجرائم التي ارتكبها في حق العراقيين، أي في حق السنّة العرب وفي حقّ الأكراد وفي حق الشيعة العرب وفي حق الذين هجّرهم من العراق بحجة أنّهم من أصول غير عراقية وهم من أهل العراق، قبل أن يكونوا من أي بلد آخر... وفي حق العرب كلّ العرب.
صدّام حسين. لم يعرف في أيّ وقت أن يكون إنساناً على تماس مع ما يدور في العالم. رفض أن يتعلّم شيئاً. لم يفهم لماذا لم يخسر الحرب مع إيران ـ الخميني التي اعتقد أنّه هزمها في حين أن العالم كان يرفض انتصاراً إيرانياً في الحرب من منطلق أنّه يريد المحافظة على توازن معيّن في المنطقة. تكمن المشكلة الآن في أن الذين خلفوا صدّام ينتمون الى المدرسة ذاتها، مدرسة رفض إقامة دولة ومؤسسات تحافظ على وحدة العراق بدل شرذمته. الذين أعدموا صدّام أظهروا أنّهم ليسوا أفضل منه وأنّهم على استعداد كامل لارتكاب الجرائم التي ارتكبها. صدّام مجرم. لا خلاف على ذلك. يستحق العقوبة القصوى. لا خلاف على ذلك. لكنّ الذين حاكموه لم يظهروا في أيّ لحظة أنّهم أفضل منه. حوّلو المحاكمة الى قضية شخصية تواجه فيها صدّام وحزب "الدعوة" الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء نوري المالكي. القضيّة ليست قضيّة شخصية، لا يمكن محاكمة صدّام وإدانته في قضيّة الدجيل حين تعرّض لمحاولة اغتيال في العام 1982 وراءها حزب "الدعوة" الذي كانت تقف خلفه إيران. وقتذاك كانت إيران في حرب مع العراق. صحيح أن صدّام تصرّف بطريقة وحشية، لكنّ الصحيح أيضاً أن قضيّة الدجيل يمكن إدراجها في سياق الحرب بين البلدين. لا مبرر للوحشية التي لجأ إليها صدّام، لكنّ الحكم الذي صدر في حقّه والذي نفّذ على حين غفلة حرم العراقيين من العدالة. لم يحرمهم من العدالة فقط. حرمهم أيضاً من الأمل، الأمل في مستقبل أفضل يبدأ بكشف كلّ الجرائم التي ارتكبها صدّام والبعث المتخلف الذي كان غطاءه.
المؤسف وسط كلّ ما حصل أن الطريقة التي أعدم بها صدّام والتي قد يعدم بها برزان، وهو أخ غير شقيق له كان مديراً للمخابرات حتى أواخر العام 1983، لن تؤدي سوى الى تكريس شرخ ذي طابع طائفي ومذهبي ومناطقي وقومي في العراق والمنطقة. الأكيد أن ليس بهذه الطريقة يحارب صدّام. وليس بهذه الطريقة يمكن القضاء على التركة الثقيلة لمن يعرف غير القتال والحروب والغدر وإلغاء الآخر بدليل الجريمة التي أرتكبها في حق الكويت والكويتيين والتي يستأهل ما هو أكثر من الإعدام عليها.
في النهاية، تعتبر الطريقة التي أعدم بها صدّام أفضل خدمة لرجل لم يعرف يوماً ما معنى التسامح والإنسانية والانتماء لكلّ ما هو حضاري. الذين أعدموا صدّام من مدرسته. الأكيد أن العراق يستأهل أفضل من تلك المدرسة. يستأهل أفضل من وضع تكون فيه ميليشيات في السلطة... ميليشيات مذهبية تجعل العراقيين والعرب يترحّمون على رجل لا يستحق الرحمة!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.