8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لبنان سينتصر على خيام البؤس!

تبدأ السنة 2007 ولبنان يتعرض لأشرس هجمة في تاريخه. الهدف واضح. لا مجال لأخذ وردّ طويلين في شأنه. المطلوب تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري والجرائم التي سبقتها والتي تبعتها وآخرها جريمة اغتيال بيار أمين الجميّل. تكون التغطية بإعلان لبنان دولة فاشلة غير قادرة على حكم نفسها بنفسها وذلك من أجل الحؤول دون أخذ التحقيق مجراه إلى النهاية من جهة ومن أجل منع قيام المحكمة ذات الطابع الدولي من جهة أخرى. هذا بكل بساطة التحدي الذي يواجه لبنان في هذه المرحلة من تاريخه. المطلوب إلغاء البلد الصغير عن طريق إثبات انه غير قابل للحياة الا بصفة كونه "ساحة" للمحور الايراني ـ السوري الساعي إلى صفقات مع أميركا واسرائيل على حسابه وحساب أبنائه.
لو لم يكن الأمر على هذا النحو، لما كان "حزب الله" أعلن احتلاله وسط بيروت مستكملاً العملية الهمجية الاسرائيلية التي تعرّض لها لبنان الصيف الماضي. ما الهدف من احتلال وسط بيروت؟ الجواب من شقين أولهما ابلاغ العالم والعرب أن حرمان المحور الايراني ـ السوري من استخدام جبهة جنوب لبنان نتيجة صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لا يعني أنه سيقبل بالأمر الواقع. على العكس من ذلك. ان اغلاق جبهة الجنوب التي حرمت النظام الايراني من أن يكون على تماس مباشر مع اسرائيل والنظام السوري من تحريك الوضع فيه تعويضاً عن عجزه الواضح عن الاقدام على أي شيء في الجولان باستثناء تكريس وقف النار، حمل "حزب الله" على توجيه سلاحه إلى اللبنانيين.
يبدو مطلوباً خطف العاصمة وجعلها رهينة للمحور الايراني ـ السوري لإظهار ان هناك رداً على خطوة المجتمع الدولي اغلاق جبهة الجنوب. أما الشق الآخر من الجواب على السؤال المتعلق بالهدف من احتلال وسط بيروت، فهو مرتبط مباشرة بالتحقيق الدولي في جريمة اغتيال رفيق الحريري وبتشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي.
لم يفشل التصعيد الذي يقوده "حزب الله" نيابة عن المحور الايراني ـ السوري وباسمه. لكن الأكيد ان وجود أدوات صغيرة تستخدم في تغليف التصعيد الذي يتعرض له قلب لبنان، لعبة مكشوفة لم تدم طويلاً، خصوصاً ان الرضيع يعرف أن لا وجود، في الوقت الراهن، لمعارضة ذات طابع وطني في لبنان. هناك بكل بساطة شيء اسمه "حزب الله" يمتلك أجندة خاصة به مرتبطة مباشرة بالمحور الايراني ـ السوري. كيف يمكن أن تكون هناك معارضة ذات طابع وطني عندما يكون الهدف الحقيقي للحرب على الحكومة تعطيل البلد والسعي إلى إلغائه، فضلاً بالطبع عن تهجير اللبنانيين، جميع اللبنانيين من جميع الفئات والطوائف والمذاهب والمناطق؟ أكثر من ذلك، كيف يمكن الحديث عن معارضة وطنية لها علاقة ما بلبنان واللبنانيين، متى كان الأمر يتعلق بتعطيل الحياة في العاصمة واسقاط الحكومة والذهاب إلى حدّ ايجاد فراغ على كل المستويات سياسياً واقتصادياً؟ كيف يمكن للبناني على صلة بلبنان واللبنانيين التحريض على الحكومة اللبنانية بعدما تحولت إلى الحصن الوحيد الصامد في وجه الذين يعملون على شطب لبنان من الخريطة وإلحاقه بالمحور الايراني ـ السوري؟
ولكن هل الوضع اللبناني ميؤوس منه؟ هل ينتصر "حزب الله" على الدولة اللبنانية ممثلة بالمؤسسة الصامدة المتمثلة بحكومة فؤاد السنيورة؟ بالطبع، يبدو الوضع في غاية الخطورة، خصوصاً ان النظام السوري والنظام الايراني و"حزب الله" في وضع لا يسمح لهم بتمرير التحقيق الدولي والمحكمة ذات الطابع الدولي في أي شكل من الأشكال. فالتحقيق في حد ذاته، والمحكمة، سيكشفان الكثير الكثير. سيكشفان خصوصاً أن سلسلة الجرائم التي تعرض لها لبنان معروفة المصدر وأن هناك خيطاً غير رفيع يربط بينها كلها.
سينتصر لبنان، على الرغم من شراسة الهجمة التي يتعرض لها وعلى الرغم من خطورة إثارة الغرائز ذات الطابع المذهبي في منطقة تغلي كلها، في ضوء ما شهده ويشهده العراق.
هناك محاولة واضحة ومكشوفة لتحويل لبنان إلى دولة فاشلة وساقطة في آن لإجهاض التحقيق الدولي ومنع قيام المحكمة ذات الطابع الدولي والتأكيد ان البلد الصغير لا يمكن إلا أن يكون "ساحة" للتجاذبات الاقليمية. هناك إصرار على المضي في المحاولة التي تصب في النهاية في تنفيذ ما عجزت عنه اسرائيل، أو استكمال حرب الصيف ولكن تحت شعارات وطنية طنانة تغطي الرغبة في تغطية سلسلة من الجرائم ارتكبت في حق أشرف اللبنانيين.
لن تمر عملية تدمير لبنان وإلغائه. المحاولة شرسة والذين يقفون خلفها يمكن أن يذهبوا بعيداً في التصعيد. يمكن أن يذهبوا إلى أبعد من تعطيل الحياة في بيروت عن طريق احتلال القلب النابض للمدينة. سيفشلون لأن التركيبة اللبنانية أقوى منهم. بيروت لن تتحول إلى بغداد الصغرى كما يشتهي "حزب الله" ومعه النظامان الايراني والسوري. لبنان هو الذي سينتصر نظراً إلى أن إرادة الحياة أقوى من إرادة الموت. لبنان الذي امضى سهرة رأس السنة في "البيال" سينتصر على خيام البؤس والبائسين التي لا هدف لها سوى إعادة البلد إلى منتصف السبعينات من القرن الماضي... إلى الأيام التي كان فيها وسط العاصمة اللبنانية خطوط تماس ترابط عند بعضها عناصر من جيش التحرير الفلسطيني استقدمت إلى بيروت من دمشق. هل من يريد تذكر ذلك؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00