8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إعدام صدّام وبرزان "خطأ أميركي جديد"

أن يعدم صدام حسين أو لا يعدم ليست تلك القضية. القضية مصير العراق وليس إعدام الرئيس العراقي المخلوع التي لا تقدم ولا تؤخر. لماذا صدور حكم بإعدام صدام في هذه الفترة بالذات ولماذا قد يعدم بسبب قضية الدجيل وليس لسبب آخر؟ هل المطلوب إعدام صدام بسبب قضية الدجيل لأن حزب "الدعوة" الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء نوري المالكي معني بالقضية لا أكثر ولا أقلّ. هل مطلوب إعدام صدام بسبب هذه القضية لأن إدانة الرئيس العراقي المخلوع ستجرّ الى إدانة أخيه برزان المطلوب إعدامه من قبل حزب "الدعوة" الذي ولاؤه الأول والأخير للنظام في إيران؟
تبدو القضية مكشوفة، حتى لا نقول إنها فضيحة بحد ذاتها لدى حزب "الدعوة" حقد شخصي على صدام وبرزان الذي كان مديراً للمخابرات حتى أواخر العام 1983 قبل أن يدخل في خلاف مع أخيه لا مجال للخوض في تفاصيله باستثناء أن في أساسه زواج حسين كامل حسن المجيد من رغد ابنة صدام واعتراض برزان وشقيقيه سبعاوي ووطبان على الزواج. في الواقع، ليس في الإمكان الوصول الى إعدام برزان من دون العودة الى قضية الدجيل. ما الذي حصل في الدجيل؟ حصل أن صدام حسين تعرّض، حين كان لا يزال رئيساً، في أثناء زيارته لتلك البلدة الشيعية في تموز 1982 لمحاولة اغتيال. كعادته، رد صدام على المحاولة بأن أعدم عدداً لا بأس به من سكان الدجيل. لم يفرّق بين الأبرياء وبين المتورطين في المحاولة. لم يفرّق صدام يوماً بين مذنب وبريء. بالنسبة اليه كان مطلوباً التخلص من أي مشكوك في أمره بغض النظر عما إذا كان معه أو ضده. لا مجال للشك عند شخص مثل صدام لا يعرف شيئاً عن العالم وعن كيفية التعاطي مع العالم. لو كان يعرف شيئاً عن ذلك لما كان اتخذ القرار المجنون القاضي بدخول حرب مع إيران في العام 1980 من القرن الماضي رداً على استفزازات إيرانية واضحة، بل وقحة، تندرج في إطار السعي الى تصدير الثورة الخمينية الى العراق. كذلك، لو كانت لدى صدام ذرة من العقل والوفاء للعرب والعروبة والتضامن مع الأخ العربي، لما كان أقدم على ارتكاب جريمة احتلال الكويت التي أوصلته الى حيث وصل اليه..
هناك مئة قضية أخرى يستأهل صدام الإعدام بسببها، لكن حزب "الدعوة" ومن خلفه النظام الإيراني، اختارا قضية الدجيل من منطلق أن برزان نفذ ما أمره به أخيه بصفة كونه مديراً لجهاز المخابرات في حينه. لم يعرف صدام حسين يوماً ما هي الحدود بين السياسة والمغامرة. بالنسبة اليه، كانت السياسة مغامرة، بل مقامرة. اعتقد في استمرار أن المقامرة سياسة والسياسة مقامرة. في أساس اللعبة التي مارسها صدام أن السياسة مقامرة وأنه قادر الى الذهاب الى النهاية في المحافظة على النظام العائلي ـ البعثي الذي أقامه معتمداً المقامرة وذلك منذ أقدم حزب البعث على تأميم النفط في العراق في العام 1972، في عهد أحمد حسن البكر، معتقداً أن كل شيء بات مسموحاً له ما دام في الإمكان تأميم النفط من دون رد فعل دولي.
لماذا الدجيل وليس الأنفال؟ لماذا الدجيل وليس قبل ذلك إعدام الرفاق البعثيين الذين كان هناك شكوك في ولائهم في العام 1979، عندما تولى صدام الرئاسة خلفاً لأحمد حسن البكر؟ لماذا الدجيل وليس "المقابر الجماعية" والمجازر المرتكبة في حق الأكراد؟ الجواب بكل بساطة أن المطلوب إعدام صدام في قضية لها علاقة بإيران والحرب على إيران. نعم من حق إيران الانتقام ولكن هل على الأميركيين تنفيذ ما تطلبه إيران منهم؟
يبدو أن الأميركيين ينفذون المطالب الإيرانية من حيث يدرون أو لا يدرون، هناك منتصر وحيد من حرب أميركا على العراق. هذا المنتصر هو إيران. لولا الانتصار الأميركي في الحرب الأميركية على العراق، لما كان في استطاعة النظام الإيراني لعب الدور الذي يلعبه حالياً، خصوصاً في لبنان، حيث تحوّل بفضل أداته المسماة "حزب الله"، وكأن لله عزّ وجلّ حزباً، السعي الى خطف لبنان وتعطيل الحياة فيه. يفعل النظام الإيراني ذلك من أجل تأكيد انه اللاعب الأول في ما يعتبره "الساحة اللبنانية" من جهة ومن أجل الدفاع عن النظام السوري الذي صار تحت رحمته، بل تابعاً له، من جهة أخرى.
مرة أخرى الموضوع ليس موضوع إعدام صدام بمقدار ما أنه موضوع تنفيذ أميركي لحكم أصدرته إيران بإعدام صدام وأخيه برزان اللذين لحزب "الدعوة" حساب يودّ تصفيته معهما. هل تنفّذ الإدارة الأميركية ما تريد إيران منها؟ ثمة من يعتقد أن لا حدود للغباء الأميركي بدليل أن الدولة العظمى الوحيدة في العالم تدخل حرباً وتحتل دولة مهمة، بل الدولة الأهمّ، في الشرق الأوسط من دون أن تكون لديها خطة واضحة لمرحلة ما بعد الاحتلال. يبدو أن الأميركيين مقبلون على خطأ جديد في العراق، في حجم خطأ القرار بحلّ الجيش العراقي الذي يبدون ندمهم عليه الآن. ماذا ينفع الندم متى كان ممنوعاً على الإدارة الأميركية التعلم من أخطاء الماضي القريب والاعتراف بأن حرب العراق غيّرت خريطة الشرق الأوسط، لكن هذه الحرب لم تغيّر الخريطة لمصلحة الولايات المتحدة. تغيّرت الخريطة لمصلحة إيران ولا أحد آخر غير إيران.
إعدام صدام وبرزان، بصفة كون الأخير أحد الذين قاوموا ويمكن أن يقاوموا النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة، خطأ جديد يمكن أن يرتبكه الأميركيون. هل يعود الأميركيون عن الخطأ قبل فوات الأوان، أم أن المطلوب منهم الاستمرار في نهج لا يصبّ سوى في مصلحة الإيرانيين ثم التساؤل لماذا ذلك الإصرار الإيراني على متابعة سياسة تحدي المجتمع الدولي؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00