8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا لا يتعلم هنية من زيارة أبو عمار لإيران ـ الخميني؟

لماذا هذا الاصرار لدى "حماس" على أن يكون الشعب الفلسطيني وقضيّته العادلة وقوداً في الصراعات الأقليمية التي تهدد بانفجار كبير في الشرق الأوسط؟ كيف يمكن لرئيس الوزراء الفلسطيني السيّد اسماعيل هنيّة الذهاب إلى طهران من أجل إغلاق كل الأبواب في وجه تشكيل حكومة جديدة على أساس برنامج واضح معتمداً الخطاب السياسي لمضيفيه؟ ألا يعتقد هنيّة، الذي لم يجد شيئاً مقدار أجادته المساعدة في تشديد الحصار الظالم الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني، أن الهمّ الأخير لطهران هو التخلّص من الحصار... وأنّ المطلوب أن تكون فلسطين ورقة أخرى في متناول النظام الإيراني على غرار ما هو حاصل في لبنان والعراق؟ هل يدرك هنيّة أن الهدف الإيراني يقتصر في نهاية المطاف على الدخول في مفاوضات مع "الشيطان الأكبر" من أجل عقد صفقة ترث بموجبها إيران العرب، أو على الأصحّ المنظومة العربية، وتشكّل بذلك مع إسرائيل وتركيا القوى الاقليمية الثلاث التي تهيمن على الشرق الأوسط؟
كان مفترضاً في رئيس الوزراء الفلسطيني زيارة طهران وإجراء محادثات مع كبار المسؤولين فيها بما يخدم القضية والمساعي الهادفة إلى فكّ الحصار الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني. كان ذلك أكثر من ضروري، ذلك أنّ من يتجاهل إيران يتجاهل الواقع والوزن الذي تمثّله. لكنّ هنيّة لم يكتف بالزيارة التي كانت في غاية الأهمّية، بل أدخل نفسه وحكومته وقضيّة شعبه في متاهات أقلّ ما يمكن قوله أنّ الفلسطينيين في غنى عنها. يكفي أنّه تحدّث من طهران عن استحالة الحلّ السياسي ويكفي أنه استجاب للدعوات التي أطلقها كبار المسؤولين هناك، على رأسهم "مرشد الجمهورية الاسلامية" السيد علي خامنئي ورئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد عن ضرورة إزالة إسرائيل عن الخريطة واستمرار المقاومة المسلّحة. هل تسمح موازين القوى في المنطقة بإزالة إسرائيل من الوجود؟ هل استمرار المقاومة المسلّحة، بالطريقة التي مورست بها حتى الآن، يخدم القضيّة الفلسطينية؟ الجواب أنّه لو كانت المقاومة مفيدة، لما اضطرّت "حماس" إلى التخلّي عن إطلاق الصواريخ في اتجاه الأراضي الإسرائيلية انطلاقاً من غزّة، ولما كانت توقّفت قبل ذلك عن العمليات الأنتحارية التي لم تؤد سوى إلى خدمة اليمين الإسرائيلي في مساعيه الهادفة إلى تقويض مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وضرب صدقيتها لدى الأسرة الدولية. وهذا يصبّ في طبيعة الحال في خدمة الاحتلال الذي بنى كلّ استراتيجيته، خصوصاً منذ وصول أرييل شارون إلى موقع رئيس الوزراء في شباط ـ فبراير من العام 2001 ،على فكرة أنّ لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.
للمرّة الألف، الموضوع الأساسي ليس موضوع تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينيّة. الموضوع، موضوع برنامج سياسي واضح للحكومة يأخذ في الاعتبار التوازنات الاقليمية والدوليّة يقود إلى رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وإلى تحقيق انتصار سياسي على إسرائيل عن طريق تأكيد أنّ هناك شريكاً فلسطينياً معترفاً به عالميّاً يمكن التفاوض معه. والواضح أن نتائج زيارة طهران لا تصبّ في هذا الاتجاه. حبّذا لو كان رئيس الوزراء الفلسطيني يتواضع قليلاً، لعلّه يستفيد من تجربة القائد الشهيد ياسر عرفات صانع الهوية الفلسطينية وواضع اسم فلسطين على الخريطة السياسية للشرق الأوسط.
في العام 1979 ، عندما كان "أبو عمّار" لا يزال في بيروت وقوّاته منتشرة في لبنان، انتصرت الثورة الإيرانية. كانت "فتح" على علاقة مباشرة بكلّ قادة الثورة الإيرانية وقد ساعدتهم كثيراً كما لعبت دوراً أساسياً في تدريب عناصر من المعارضة الإيرانية للشاه ونظامه، شكّلت نواة "الحرس الثوري". إضافة إلى ذلك، كان ياسر عرفات على علاقة وثيقة بالإمام الخميني قائد الثورة. توجّه الزعيم الفلسطيني إلى طهران والتقى الخميني وقال بعد اللقاء أنّ الثورة الإيرانية "فكت الحصار" عن المقاومة الفلسطينية التي كانت وقتذاك تعاني الكثير بسبب العلاقات المتأزمة مع معظم الأنظمة العربية على رأسها النظامين البعثيين السوري والعراقي. لم تمض أيّام حتى أكتشف "أبوعمّار" أن تفاؤله ليس في محلّه. بعد سنوات على الزيارة، سُئل في جلسة خاصة عن تلك المرحلة وعن لقائه بالخميني والمسؤولين الآخرين في طهران وقتذاك. كان جوابه أنّه اكتشف أن هناك عنجهية فارسية واضحة لا تنمّ عن احتقار للعرب فحسب، بل عن رغبة في مصادرة القرار الفلسطيني المستقلّ أيضاً. منذ تلك الزيارة، راحت العلاقات الفلسطينية ـ الإيرانية في التدهور على الرغم من كلّ ما قيل عن اقامة سفارة فلسطينية في طهران في المبنى الذي كانت تحتلّه السفارة الإسرائيلية. كانت هناك أولويتان متعارضتان. كان "أبو عمّار" يريد الأستعانة بإيران ـ الخميني للدفاع عن القرار الفلسطيني المستقلّ وحمايته. وكانت إيران ـ الخميني تسعى إلى السيطرة على القرار الفلسطيني في سياق سياسة الهيمنة على المنطقة وما كان يعرف وقتذاك بتصدير الثورة إلى دول الجوار.
هل يستوعب اسماعيل هنيّة ما حصل مع ياسر عرفات قبل سبعة وعشرين عاماً. يصعب عليه ذلك، ذلك ان الفارق كبير بين الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي وضع نصب عينيه مصلحة شعبه أوّلاً مجسّدة بالقرار الفلسطيني المستقل، وبين رئيس للوزراء من "حماس" يُعتبر مجرّد موظّف في حركة يسعى الجناح المهيمن فيها إلى تحويلها رأس حربة للمحور الإيراني ـ السوري بغض النظر عمّا سيترتب عليه ذلك من كوارث على الشعب الفلسطيني وقضيّته...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00