8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

المرحلة الأخيرة من الانقلاب في لبنان!

يبدو واضحاً ما هي "الأهداف المرجوّة" التي يتحدّث عنها "حزب الله" عبر قيادييه، حين يقول هؤلاء إن التظاهرات ستستمر وإنّ النزول الى الشارع لا عودة عنه قبل تحقيق هذه الأهداف. الأكيد أن مثل هذا الخطاب السياسي الفارغ الذي لا أفق لبنانيّاً له يصبّ حيث يجب أن يصبّ، أي في خدمة المحور الإيراني ـ السوري الذي لا هدف له سوى التوصّل الى صفقة مع الإدارة الأميركية على حساب لبنان واللبنانيين.
ما يبدو واضحاً أيضاً أن "حزب الله" اتخذ قراره ونجح في جرّ العماد ميشال عون الى مشروعه الهادف الى تعطيل الحياة في لبنان وإدخاله في حروب داخلية متعددة الشكل. بعض هذه الحروب بين المسيحيين والمسيحيين والبعض الآخر بين المسلمين والمسيحيين والبعض الثالث بين المسلمين والمسلمين. تتوّج كلّ هذه الحروب، حربٌ اقتصادية على لبنان من أجل إفقار اللبنانيين وتهجيرهم وجعلهم تحت رحمة الذين يعتقدون أن في استطاعتهم المحافظة على السلم الاجتماعي في البلد وأنّ من دونهم لا وجود لهذا السلم، بل لا وجود للبنان!
المطروح حالياً تنفيذ المرحلة الأخيرة من الانقلاب على الشرعيّة اللبنانية. يشارك في هذه المرحلة رئيس للجمهورية لا يدرك أنّه رئيس غير شرعي قبل أيّ شيء آخر، نظراً الى أن القرار الرقم 1559 الصادر عن مجلس الأمن يعتبره كذلك. منذ متى تقضي مصلحة لبنان والعرب عموماً بالوقوف في وجه الشرعيّة الدولية؟ أوليس الوقوف في وجه الشرعية الدولية، كما يفعل إميل لحّود خدمة لإسرائيل؟ ما يثير القلق الشديد من نيّات المحور الإيراني ـ السوري الذي يتحكّم بـ"حزب الله" وأدواته من أمثال أميل لحّود وميشال عون أن المحكمة الدولية تشق طريقها. وبكلام أوضح، إن قافلة المحكمة الدولية تسير، فيما لحّود وعون لا يجدان غير الصراخ والدعوة الى العصيان المدني سبيلاً للوقوف في وجهها. أن يعترض إميل لحّود على المحكمة الدولية حتى لو تظاهر بأنّه يؤيّدها أمر طبيعي. إنّه في واقع الأمر أكثر من طبيعي متى أخضعت تصرّفات الرئيس غير الشرعي للجمهورية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري لتحليل أقلّ من عادي. ألم يدعو إميل لحّود الى تنظيف مسرح الجريمة على وجه السرعة وفتح الطريق أمام السير وكأنّ شيئاً لم يكن... وكأنّ اغتيال رفيق الحريري أمر عادي، أي "رذالة"، على حدّ تعبيره، وأنّ كل شيء سيعود الى طبيعته على غرار ما حصل بعد اغتيال كمال جنبلاط وبشير الجميّل والمفتي حسن خالد والرئيس رينيه معوض، حتى لا نذكر عشرات آخرين؟
ما يشهده لبنان في الوقت الراهن أكثر من طبيعي. هناك محور أقليمي يعتبر البلد "ساحة" يخشى من استعادة لبنان استقلاله وحرّيته وسيادته. ولذلك اغتيل رفيق الحريري، ولهذا السبب وليس لغيره، كان اغتيال الأحبّاء سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ومحاولة اغتيال مروان حماده والياس المرّ والعزيزة مي شدياق. ولذلك أيضاً اغتيل رمز الحرّية والاستقلال والكلمة الجريئة والعروبة الصادقة الشيخ بيار أمين الجميّل النائب والوزير المطلوب الذي جرى إسكاته لأنّه كان يقول الحقّ ولا شيء غير الحقّ في مجلس الوزراء وخارجه.
يمكن فهم تصرّف "حزب الله" الذي يخشى المحكمة الدولية من منطلق أنّه يخشى على النظام السوري الذي يُعتبر بالنسبة إليه جسراً حيوياً يربط بين النظام الإيراني والأراضي اللبنانية. كذلك يمكن فهم التصرف الذي يقدم عليه الحزب من الزاوية الإيدولوجية. إنه حزب مذهبي ينتمي بشكل صريح الى مرجعيّة إيرانية تتمثّل في "مرشد الثورة" السيّد علي خامنئي. ولكن ما لا يمكن فهمه هو كيف يستطيع شخص مثل ميشال عون، كان يدّعي الى ما قبل فترة قصيرة أبوّة القرار 1559، الدعوة الى النزول الى الشارع، بل المبادرة الى النزول الى الشارع وتغطية كلّ ما أرتكبه ويرتكبه "حزب الله" أو إميل لحّود ومن لفّ لفه من سياسيين يخجل المرء من ذكر أسمائهم من فظاعات؟ ما هو السرّ الذي يدفع ميشال عون الى اتخاذ الموقف الذي يتّخذه في حال وضعنا جانباً جنون العظمة الذي يتحكّم بتصرفات رجل ينام كلّ يوم وهو يحلم بأنّه صار رئيساً للجمهورية؟
السرّ معروف. بل أكثر من معروف. لا حاجة الى تحديد ما هو السرّ. الحاجة أكثر من أي وقت الى طبيب نفسي يساعد ميشال عون في استعادة بعض صوابه والتوقّف عن الدخول في لعبة لن تؤدي سوى الى خراب لبنان. هل طبيعي ألاّ يوجد من يدعو "الجنرال" الى سؤال "حزب الله" عن السبب الذي دفعه الى توريط لبنان في حرب الصيف التي لم تجرّ على البلد وعلى مواطنيه سوى الويلات؟ هل طبيعي ألاّ يكون هناك من يسأل عون كيف يستطيع تغطية الخراب الذي سيحلّ بلبنان في الشتاء جراء التظاهرات التي قرّر المشاركة فيها؟ غريب أمر هذا الرجل الذي لا يريد أن يسمع سوى ما يقوله له "حزب الله" الذي همّه مصلحة النظام الإيراني أوّلاً. هذا الأمر مبرر مثلما مبرر أن يكون الحزب السوري القومي الاجتماعي في خدمة الأجهزة السورية، بل امتداداً لها من منطلق أنّه لا يؤمن بلبنان، بل بسوريا الكبرى؟ هل صار "الجنرال" أيضاً من جماعة سوريا الكبرى أو من جماعة إيران الكبرى المهيمنة على القرار العربي عموماً واللبناني المستقلّ خصوصاً؟ عش دهراً ترى عجباً. هذا ما نراه اليوم في لبنان حيث قائد سابق للجيش يضع نفسه في خدمة الانقلاب على الشرعية اللبنانية وعلى كلّ ما له علاقة بالحضارة في لبنان...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00