كلّما مرّ يوم يتأكّد كم هو كبير الشيخ أمين الجميّل رجل الدولة الذي عرف كيف يحافظ على رئاسة الجمهورية في لبنان في ظروف من أصعب الظروف. كان يجب أنصاف أمين الجميّل الرئيس الذي تعرّض لكلّ أنواع الظلم منذ فترة طويلة وليس انتظار استشهاد نجله وزير الصناعة الشيخ بيار، كي يعيد كثيرون النظر في الرجل وفي مآثره متذكّرين التضحيات التي قدّمها من أجل لبنان وصون حرّيته وكرامته.
يكفي أمين الجميّل فخراً واعتزازاً أنّه رفض الرضوخ لإملاءات النظام السوري أيّام كان في أوج سطوته وعزّه، أيام حافظ الأسد، على الرغم من كلّ الضغوط والإغراءات. ويكفيه أنّه رفض باستمرار، وطوال عهده بين العامين 1982 و1988، الدخول في مواجهة مع ميليشيا "القوّات اللبنانية" على الرغم من كلّ الاستفزازات التي استهدفته واستهدفت أفراد عائلته وقتذاك. وفي النهاية، غادر أمين الجميّل قصر بعبدا الذي كان مع وزارة الدفاع الرمزين الأخيرين للسيادة اللبنانية في الساعة التي انتهت فيها ولايته الدستورية. وحافظ بذلك على موقع رئاسة الجمهورية غير آبه بحملات التجريح التي كان يتعرّض لها من هنا وهناك وهنالك، الى أن جاء وقت تبيّن فيه أنّه لا يصحّ إلاّ الصحيح وأن أمين الجميّل مدرسة في الوطنيّة والعروبة الصادقة خلافاً لأولئك الذين باعوا لبنان بالجملة والمفرّق. أكثر من ذلك، يتحدّث هؤلاء الآن عن "العهر" بعد مساعدتهم في تغطية كلّ الجرائم التي أرتكبت في حقّ لبنان بدءاً باستشهاد الرئيس رفيق الحريري، باني لبنان الحديث، وانتهاء بالعمل الغادر والجبان الذي تعرض له بيار أمين الجميّل الذي كان يرمز الى طموحات شباب لبنان الى مستقبل أفضل وإلى عيش آمن في وطنهم.
على من يريد فعلاً أن يكون وفيّاً لبيار أمين الجميّل الاقتداء بسيرة الوزير الشاب الذي دفع من دمه ثمناً للمبادئ التي آمن بها على رأسها السيادة والحرّية والاستقلال والمحافظة على لبنان ككيان نهائي، أزلي، سرمدي يعيش فيه كلّ أبنائه بأمان وطمأنينة. وعلى من يريد فعلاً أن يكون وفيّاً للبنان واللبنانيين التصرّف بالطريقة التي تصرّف بها أمين الجميّل الأب والرئيس الذي يعرف بخبرته الطويلة أن أعداء لبنان هم الذين يعملون حالياً على إسقاط حكومة فؤاد السنيورة عن طريق النزول الى الشارع وتنفيذ الاغتيالات على نحو ما تعرّض له بيار أمين الجميّل وقبله جبران تويني وجورج حاوي وسمير قصير والشهداء الأحياء مي شدياق والياس المرّ ومروان حماده. بكلام أوضح، من يريد أن يكون وفيّاً لكل ما له علاقة من قريب أو بعيد بلبنان السيّد الحر المستقلّ، لبنان الذي صمد بفضل حكومته ووحدته الوطنيّة في وجه العدوان الإسرائيلي الأخير الذي كان حرباً مفتوحة على البلد، لا يتصرّف بالطريقة التي يتصرّف بها النائب ميشال عون. هذا الذي وضع نفسه في خدمة محور إقليمي لا همّ له سوى استخدام لبنان "ساحة" في لعبة لا هدف لها سوى التوصّل الى صفقة مع الولايات المتّحدة على حساب لبنان واللبنانيين. يستكمل ميشال عون، منذ استحضاره من باريس، لعب دور الأداة الذي يجيده بشكل مميّز منذ تمرّد على اتفاق الطائف. هل يدرك أنّه أدخل السوريين الى قصر بعبدا ووزارة الدفاع وأهدر دمّ مئات الجنود اللبنانيين الشرفاء إرضاء لطموحاته، ذلك أنه يصعب على الإنسان النزول الى اللغة السياسية التي يستخدمها "الجنرال" هذه الأيام.
يمثّل أمين الجميّل هذه الأيام صخرة صامدة في وجه العواصف والأعاصير التي يتعرّض لها لبنان. لم يفقد الرئيس السابق البوصلة لحظة على الرغم من المأساة التي أصابته وأصابتنا. إنّه يدرك من هي تلك الأحزاب التي لها وجود في المنطقة التي استشهد فيها نجله بيار والتي سهّلت بطريقة أو بأخرى عملية الاغتيال. إنّها الأحزاب ذاتها التي تتلقّى الأوامر من النظام السوري والتي راحت تزوّد ميشال عون بالذخيرة والوقود بعدما سقط في العامين 1989 و1990 في فخّ الدخول في مواجهة لا أفق لها مع "القوّات اللبنانية"، باستثناء أنها تؤدّي الى سقوط آخر رموز السيادة والاستقلال في لبنان. من يتذكّر تلك الأحزاب التي راحت ترسل القذائف لعون، بدل قصفه بها، بمجرّد أنّه اختار المواجهة مع "القوّات" فكانت مآسي الضبية والقليعات وغيرهما من الأماكن التي تحوّلت خطوط تماس بين المسيحيين أنفسهم. كم عدد المسيحيين الذين هجّرهم السيّد عون في تلك الفترة؟ هل لديه بعض الذاكرة تعيده الى تلك الجرائم التي أرتكبها؟
ليس مطلوباً أن يتعلّم ميشال عون من الآخرين. الأكيد أن العقد التي يعانيها لا تسمح له بذلك. ليتعلّم على الأقل من التجارب التي خاضها بنفسه والتي جرّت الويلات على اللبنانيين، خصوصاً على المسيحيين. أمام "الجنرال" فرصة لا تعوّض هذه الأيام للعودة الى جادة الصواب بدءاً بوضع نفسه بتصرف حكومة الاستقلال وانتهاء برفض اللجوء الى الشارع لإسقاط الحكومة تلبية لأمر عمليّات سوري لا أكثر. ليتصرّف ميشال عون كلبناني ولو لمرّة وحيدة في حياته! هل كثير أن يُطلب ذلك من طامح الى أن يكون ذيلاً للمحور الإيراني ـ السوري وأدواته؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.