قبل سنة، في التاسع من تشرين الثاني 2005، ضرب الإرهاب في عمّان. استهدف انتحاريون جاؤوا من العراق أشخاصاً آمنين معظمهم من العرب كانوا في أربعة فنادق في العاصمة الأردنية ما أدى إلى سقوط نحو ستّين قتيلاً وجرح العشرات. بعد سنة على الحادث المشؤوم، يمكن القول إنّ ألأردن نجح إلى حدّ كبير في التصدي للظاهرة التي كان من بين أوائل الذين عملوا من أجل أجتثاثها من جذورها. لم يكتفِ الأردن بالتنديد بالإرهاب والإرهابيين الذين سبق لهم وضربوا في غير عاصمة ومدينة عربية من الدار البيضاء، إلى الرياض، إلى القاهرة وشرم الشيخ، إلى الدوحة، إلى جربة في تونس، إلى عدن... بل عمل على ملاحقتهم. ذهب الأردن بما يمتلكه من وسائل متواضعة، ولكن فعالة، إلى حدّ ملاحقة الإرهابيين خارج أراضيه وكان له من دون شك دور في التخلّص من "أبو مصعب الزرقاوي" مسؤول "القاعدة" في العراق في حزيران الماضي. في الواقع، كان الأردن يمارس عملية دفاع مشروعة عن النفس عندما لاحق الإرهابيين خارج أراضيه من أجل تقديمهم إلى العدالة.
ما قد يكون أهمّ من الحلّ الأمني، أن الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني، لم يحصر عملية مواجهة الإرهاب باللجوء إلى التشدد، بل كانت هناك سلسلة من المبادرات الأردنية أستهدفت معالجة المشكلة من زوايا أخرى مرتبطة أساساً بالسياسة من جهة، والتربية من جهة أخرى، ومن دون تجاهل الاقتصاد. ومن هذا المنطلق كانت مبادرات عدّة من أجل تقديم صورة حقيقية عن الإسلام وعن ثقافة التسامح والاعتدال والوسطية. وكانت في البداية "رسالة عمّان" التي صدرت عن مؤتمر إسلامي جمع علماء وشخصيّات من كلّ المذاهب في محاولة جدّية لجمع كلّ المسلمين حول المبادئ الحقيقية التي ينادي بها الدين الحنيف والقواسم المشتركة التي تربط بين المسلمين والتي لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالإرهاب.
لم يحصل تساهل أردني مع الإرهاب، خصوصاً أن المطلوب تسمية الأشياء بأسمائها، أي أن الإرهابي المسؤول عن قتل مدنيين في عمّان وفي غير عمّان لا يمكن أن تطلق عليه تسمية أخرى. إن الانتحاري انتحاري. إنّه يتجرّأ على قتل مدنيين آمنين كلّ ذنبهم أنهم وُجدوا في مكان معيّن في ساعة معيّنة. إنّه ليس شهيداً ولا علاقة له بالجهاد أو الشهادة. ومن يريد بالفعل مكافحة الإرهاب ومن هو حريص بالفعل على مكافحة هذه الظاهرة عليه امتلاك ما يكفي من الشجاعة للحديث عن الانتحاريين بهذه اللهجة بدل الاختباء خلف الشعارات والكلام العام وإلقاء المسؤوليات على الآخرين قبل النظر إلى نفسه وتصرّفاته. هناك بكلّ صراحة مجتمعات عربية وإسلامية تنتج إرهابيين. ويفترض في القيمين على هذه المجتمعات مواجهة الحقيقة وليس الهرب منها. في النهاية إن أسامة بن لادن ليس بضاعة مستوردة.
نجح الأردن إلى حدّ كبير في احتواء ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني. ولم يتساهل لأسباب واضحة مع من حاولوا استغلال قتل "أبو مصعب الزرقاوي" لتبرير الإرهاب، وذلك لسبب في غاية الوضوح والبساطة في آن يتمثّل في أن لا شيء يمكن أن يبرر الإرهاب وتصرّفات الإرهابيين والدوافع التي يدّعون أنها وراء ما يقومون به. والدليل على النجاح النسبي للأردن في حملته على الإرهاب أنّ السنة التي تفصل عن تفجيرات عمّان مرّت من دون أحداث تذكر. وقد سعى الأردن طوال تلك السنة الى متابعة جهوده من أجل خلق مناخ اقليمي أفضل لمواجهة هذه الظاهرة عن طريق جعل المنطقة أكثر استقراراً. وكان أفضل تعبير عن ذلك تحركه في اتجاهات مختلفة من أجل شرح المخاطر الناجمة عن ايجاد بيئات توفّر ملاذاً للإرهابيين على غرار ما كانت عليه أفغانستان إبان حكم "طالبان" وما عليه الوضع حالياً في العراق. لكن عوامل عدّة لم تساعد في ايجاد المناخ الاقليمي المطلوب الطارد للإرهاب. بين هذه العوامل الوضعان العراقي والفلسطيني وغياب الرغبة الأميركية في مقاربة الوضعين بطريقة مختلفة تقطع الطريق على الإرهابيين. على العكس من ذلك، يبدو واضحاً أنّ كلّ ما فعلته الإدارة الأميركية في العراق صبّ في مصلحة الإرهاب، بما في ذلك الطريقة التي حُوكم بها صدّام حسين أخيراً. والأكيد أن الاحتلال الإسرائيلي الرافض لأي بحث في تسويات تنصف الشعب الفلسطيني لعب من جانبه دوراً في دعم الإرهاب الذي يسمح له بشن حروب وخلق واقع جديد على الأرض... كما يحصل حالياً عبر متابعة بناء "الجدار الأمني" الذي يقتطع جزءاً من الأرض الفلسطينية.
ليس ما يشير في المدى المنظور إلى تحسّن في العراق أو فلسطين في ظلّ السياستين الأميركية والإسرائيلية ومع وجود قوى اقليمية غير عربية، متحالفة للأسف مع قوى عربيّة، تشجعّ بطريقة أو بأخرى على الإرهاب من زاوية أنه يساهم في إضعاف الوضع العربي عموماً. وعلى رأس هذه القوى الاقليمية يأتي النظام الإيراني الذي يلعب دوراً في ضرب الاستقرار في العراق وفلسطين وحتى في لبنان من جهة وعلى انفلات الغرائز ذات الطابع المذهبي من جهة أخرى.
ستكون المعركة مع الإرهاب طويلة. ما حقّقه الأردن، خصوصاً في السنة الماضية، يتمثّل في أنه نجح إلى حدّ كبير في التصدي لهذه الظاهرة داخل أراضيه. ولكن هل تساعده الظروف الأقليمية في خلق بيئة شرق أوسطية معادية للإرهاب؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال مع وجود سياسة أميركية لا يمكن أن توصف سوى بالغباء ومع تمسك إسرائيل بالاحتلال وممارسة إرهاب الدولة كما حصل في بيت ياحون حديثاً...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.