8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مأساة لبنان.. أو جزء منها!

من قال إنّ هناك حدوداً للسطحية أو للعبة التذاكي على اللبنانيين؟ من يسمع ميشال عون يحاضر في الديموقراطية يتأكّد من أن لا حدود للتذاكي والسطحية. يكفي أنّه يحدّد الممارسة الديموقراطية داخل الحكومة بضرورة وجود ثلث معطّل. لم يقرأ الأستاذ عون كتاباً في القانون الدستوري في شأن ما يفترض أن تكون عليه الحكومات في الأنظمة الديموقراطية أكانت ذات طابع رئاسي أو برلماني كما الحال في لبنان. من يقبل معارضة داخل الحكومة؟ المعارضة تكون في البرلمان وهذا حقّ شرعي. متى صارت المعارضة أكثرية تستطيع تشكيل حكومة. هذا ألف باء القانون الدستوري وقواعده، حتّى لدى الحديث عن الديموقراطية التوافقية على الطريقة اللبنانية. ولكن ما العمل مع رجل لا يريد أن يتعلّم من تجارب الماضي القريب والبعيد؟
كانت محاضرة النائب عون، في مرحلة ما قبل موافقة الحكومة على مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي في قضية أغتيال الرئيس رفيق الحريري وبعدها، بليغة في كلّ ما له علاقة بالممارسات الديموقراطية والعمل الحكومي. واستطاع الأستاذ عون التفوق على نفسه في مجال السطحية عندما راح يتحدّث عن البعد الإقليمي للأزمة التي يواجهها لبنان واللبنانيون. وتبرّع بالقول، أو وُجد من يتبرّع له للقول، أن لا علاقة للنظام الإيراني أو للنظام السوري بالأزمة وأن المشكلة بين اللبنانيين أنفسهم. يبدو أنّه حفظ الأمثولة جيّداً. كانت حجته قويّة الى درجة أنّه استند الى أنّ إيران تبعد جغرافياً آلاف الكيلومترات عن لبنان وأن سوريا لا تتدخلّ في قضايا لبنان. لم يقل لنا السيّد عون من أين يأتي "حزب الله" بأسلحته وصواريخه. ولم يسأل من يدفع ثمن الأسلحة والصواريخ؟ من يدفع رواتب مقاتلي "حزب الله" وكوادره منذ ما لا يقلّ عن عقدين من الزمن؟ ربّما أنّ السيّد عون يؤمن بالحبل من دون دنس بما يجعله قادراً على نفي أيّ تدخل إيراني في الشؤون اللبنانية. لم يسأل نفسه ولو مرة واحدة لماذا لا يضع نوّاب "حزب الله" ربطات عنق؟ إنه أمر معيب أن تنطلي مثل هذه الألاعيب والمناورات السياسية، التي لا بدّ من الاعتراف بأنّها في غاية الذكاء والدهاء على عقول اللبنانيين، خصوصاً من أمثال "الجنرال" الذي يعتبر نفسه مدرسة في الأخلاق والمناقبية والعبقرية السياسية والعسكرية ناسياً أنّه سياسي عندما يجب أن يكون عسكرياً، فيما يتحوّل الى عسكري عندما يتطلب الأمر أن يكون سياسياً؟ ولكن ما العمل مع لبنانيين انساقوا خلف غرائزهم لم يفرّقوا بين من هجّرهم من بلدهم بفضل "حرب التحرير" وبين من أعادهم من بلدان الهجرة بفضل مشروع الإنماء والإعمار؟ هذا المشروع الموجود على أرض الواقع وليس في المخيّلات. إنّه المشروع المتمثّل بوسط بيروت الذي يحاول عون وأسياده الجدد والقدامى في آن تدميره بدافع الحقد قبل العمالة أو بعده، لا فارق.
آن أوان تسمية الأشياء بأسمائها بعيداً عن أي نوع من اللياقات. لقد كشفت قضيّة المحكمة الدولية الجميع. كشفت من مع الحقيقة ومن يريد تغطية الجريمة، جريمة اغتيال رفيق الحريري الذي بنى لبنان الحديث وأعاد الحياة الى وسط بيروت الذي هو في الحقيقة قلب لبنان. إن وسط بيروت ليس فقط المكان الذي فيه كلّ المؤسسات المصرفية اللبنانية والعربية والدولية والإعلامية التي تجعل من لبنان المركز المالي الطبيعي للشرق الأوسط. ما هو أهمّ من ذلك، أن وسط بيروت هو المكان الذي يلتقي فيه اللبنانيون من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق والمشارب. إنّه المكان الذي يلتقي فيه الغني والفقير والمتوسط الحال. إنّه المكان الذي يمكن أن ينطلق منه مشروع إعادة الحياة الى لبنان. ولهذا السبب لم يبخل رفيق الحريري لا بالغالي ولا بالرخيص من أجل إعادة الحياة الى وسط بيروت مدركاً أنّه قلب لبنان الذي يضخ الحياة في صيغة العيش المشترك التي يرفضها ميشال عون والأحزاب المذهبية التي وضع نفسه في خدمتها.
من يحب لبنان ويحب اللبنايين يدافع عن عملية إعادة الحياة الى البلد في ظروف أقلّ ما يقال أنّها في غاية الصعوبة والتعقيد. كان مطلوباً في ظروف معيّنة ساهم ميشال عون في صنعها مسايرة نظام الوصاية السوري وتحمّل الإذلال والخوّات التي فرضها من أجل إعادة الحياة الى لبنان ومن أجل استعادة البلد لدوره من دون التخلّي عن الثوابت. على رأس الثوابت، متابعة مسيرة الإنماء والإعمار والمحافظة على السلم الأهلي ومواجهة العدو الإسرائيلي بكلّ ما يمثله من عجرفة وما يضمره من حقد على لبنان الناجح المستقر المزدهر صاحب الدور الأقليمي والمنفتح على العالم. هل من سبب لإعطاء التبريرات للعدو الإسرائيلي كي يرتكب ما ارتكبه الصيف الماضي في حق لبنان، غير التلاقي معه عند الرغبة في تدمير كلّ ما هو حضاري في البلد، بما في ذلك القضاء على أيّ دور يمكن أن يلعبه لبنان على أيّ صعيد كان؟ هل يفهم النائب عون هذه المعادلة؟ هل من يتجرّأ على إبلاغه مثل هذا الكلام الصادق الذي، ربّما، يمكن أن يجعله يستعيد صوابه؟ الحقيقة أن ليس أصعب من التعاطي مع أشخاص من أشباه الأميين. هؤلاء يعتقدون أنهم يعرفون في كلّ شيء ويعرفون كلّ شيء في حين أنّهم أسوأ من الأمّيين...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00