دخل المشروع الإنقلابي الهادف الى الإستيلاء على السلطة في لبنان مرحلة جديدة في ضوء استقالة وزراء "حزب الله" وحركة "أمل" من الحكومة. من يذهب الى حرب مع إسرائيل من دون إستشارة اللبنانيين الآخرين، يمكن ان يذهب الى تخريب لبنان عن طريق النزول الى الشارع والذهاب بعيداً في تنفيذ المحاولة الإنقلابية الهادفة الى إعادة وضع البلد تحت الوصاية.
يبدو الهدف واضحاً كلّ الوضوح. لا حاجة الى منجمّ لمعرفة ما يجري في لبنان هذه الأيّام. كان كافياً وصول نص مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي الى بيروت، كي يبدأ تنفيذ الخطوات التمهيدية الهادفة الى إسقاط حكومة فؤاد السنيورة من داخل بعد فشل محاولات التهويل من خارج. من الطبيعي أن يكون كلّ هذا التركيز والجهد على إسقاط الحكومة، أقلّه لسببين. السبب الأوّل أن الحكومة ترمز الى الاستقلال والسيادة والحرية والتحرر والتقدميّة والعروبة الصادقة التي ينتمي إليها الشهيد رفيق الحريري. أما السبب الآخر فهو يعود الى أن هناك من يخشى المحكمة الدولية كونها ستكشف قتلة رفيق الحريري.
تستهدف المرحلة الجديدة من المحاولة الإنقلابية التي يتعرّض لها لبنان هذه الأيّام الأسس التي يقوم عليها البلد. والمؤسف أنّ شخصاً مثل النائب ميشال عون يشارك فيها بعدما ادّعى طويلاً أنه يعمل من أجل السيادة والاستقلال الى أن تبيّن أنّه ليس سوى أداة صغيرة استخدمها النظام السوري في الماضي للدخول الى قصر بعبدا ووزارة الدفاع ولا يزال يعتبر أنها صالحة للاستخدام ليس إلاّ. لا يزال عون يصلح لهذه المهمة، مهمة خدمة نظام الوصاية السوري، مع فارق أنّه صار الآن في خدمة "حزب الله" الذي أحسن توظيفه في إطار المحاولة الإنقلابية التي يسعى الى تنفيذها لحماية النظام السوري من سيف العدالة. هل يستطيع عون أن يثبت ولو مرّة واحدة أنّه يصلح لشيء آخر غير لعب دور الأداة؟
لا شك أن الهجمة على لبنان ستشتدّ خصوصاً أنّ النظامين في سوريا وإيران يلتقيان عند هدف واحد هو إعادة الوضع في البلد الى ما كان عليه قبل أغتيال رفيق الحريري بالنسبة الى الأوّل وقبل الثاني عشر من تمّوز ـ يوليو الماضي بالنسبة الى الثاني. فالنظام السوري يدرك أن المحكمة ذات الطابع الدولي ستعرّيه وستكشف خلفية الجرائم التي ارتُكبت في لبنان بدءاً بمحاولة اغتيال الوزير مروان حماده في الأول من تشرين الأوّل 2004 وانتهاء باغتيال ابن شقيقته الزميل جبران تويني في كانون الأول من العام الماضي. ولذلك كان طبيعياً أن يطلب الرئيس بشّار الأسد من مبعوث رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وقف التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري، والحصول على ضمانات من الإدارة الأميركية في شأن مستقبل نظامه، واستعادة نفوذه في لبنان. وهذا ما أشارت إليه مجلة "ذي إيكونوميست" الصادرة في لندن وهي من وسائل الإعلام القليلة التي تمتلك صدقية في بريطانيا. بالطبع، طالب الأسد باستعادة الجولان حيث لم تطلق رصاصة منذ العام 1974، والأرجح أنّه فعل ذلك من باب رفع العتب لا أكثر ولا أقلّ. ما دام الرئيس السوري يطالب رئيس الوزراء البريطاني بأن يفعل له شيئاً في قضية اغتيال باني لبنان الحديث ومؤسس نهضته، هل من المستغرب أن يدعو حلفاءه وأزلامه في لبنان الى أن يعملوا شيئا من أجل التخلص من المحكمة ذات الطابع الدولي؟
أمّا النظام الإيراني الذي يدرك معنى تعرض النظام السوري لهزة قويّة، فهو يشعر أن نتائج الحرب الأخيرة لم تكن لمصلحته. لقد قدّم "حزب الله" الصيف الماضي كل المبررات كي تدمّر إسرائيل لبنان وتعيده عشرين عاماً الى خلف، وكانت النتيجة صدور القرار الرقم 1701 الذي بذلت حكومة السنيورة والأشقاء العرب جهوداً جبّارة لتحسينه. ولكن في ختام المطاف، أغلق القرار جبهة جنوب لبنان في وجه إيران وليس في وجه العدو الإسرائيلي فقط. ولذلك سيبذل النظام في طهران جهوداً كبيرة كي لا ينفّذ القرار 1701 الذي حرمه من جبهة جنوب لبنان ومن المتاجرة باللبنانيين من أجل عقد صفقات مع الأسرة الدولية على رأسها "الشيطان الأكبر" الأميركي.
متى نظرنا جيّداً الى ردود الفعل السورية والإيرانية، وهي ردود شرسة تظهر من خلال تصرّفات الأدوات الموجودة في لبنان، لا يمكن إلاّ التكهن بأنّ التصعيد في البلد الصغير هو الوسيلة الوحيدة لخروج النظامين من الطريق المسدود الذي وصلا إليه. أخطأ النظام السوري في حساباته عندما اعتقد أن جريمة اغتيال رفيق الحريري ستمرّ مثل غيرها من الجرائم التي استهدفت شخصيّات من عيار كمال جنبلاط والمفتي حسن خالد وبشير الجميّل ورينيه معوض وعشرات، بل مئات آخرين. لم يدرك أن العالم تغيّر وأن جريمة اغتيال رفيق الحريري في حجم الخطأ الذي أرتكبه صدّام عندما اجتاح الكويت. وأخطأ النظام الإيراني في حساباته اللبنانية عندما اعتقد أن لا شيء يمكن أن يغيّر الوضع في جنوب لبنان حيث في استطاعته تحدّي إسرائيل حتى آخر لبناني وحتى آخر حجر في آخر قرية لبنانية... الى أن جاء القرار 1701.
كلّ ما يمكن قوله في ظلّ هذه المعطيات، ليكن الله في عون لبنان واللبنانيين الذين كتب عليهم في ما يبدو أن ..يظلّ بلدهم "ساحة" تستخدم في عملية ابتزاز لا علاقة لها بمصالح البلد الصغير لا من قريب ولا من بعيد!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.