8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الرجل الذي يستحق الإعدام..!

يستحقّ صدام حسين الاعدام علماً بأنّه حوكم على جريمة نفّذت في العام1982 إذ كان العالم كلّه يغطّي ما يرتكبه نظامه. كان يمكن الترحيب بهذا الحكم لو كان الذين خلفوا صدّام يتصرفون بطريقة أفضل من تلك التي تصرّف بها الديكتاتور المخلوع. ربما ينسى الذين يفرحون بحكم الاعدام أن خلع صدّام جاء بقرار اتّخذه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن... وليس أحد غيره. وجاء توقيت صدور الحكم عشيّة انتخابات أميركية يحتاج فيها بوش الابن إلى أيّ نوع من الانتصارات في العراق لتبرير قراره باجتياح هذا البلد أمام الأميركيين أوّلاً.
إن صدّام موجود في قفص الاتهام بقرار أميركي لا أكثر ولا أقلّ والذين حاكموه يدركون أن المحاكمة تعود إلى أن الرئيس العراقي السابق تصرّف في مرحلة معيّنة بطريقة الخارج عن القانون الدولي الذي هو قانون أميركي أوّلاً وليس لأنّه ظلم شعبه. وقتذاك، اصطدم الديكتاتور بالأميركيين، مظهراً غباء قلّ نظيره في استيعاب المعطيات والتوازنات الاقليمية والدولية. رُفع الغطاء الدولي عنه وصار نظامه مرشّحاً للسقوط ولو بعد ثلاث عشرة سنة على الجريمة التي أودت به وهي احتلال الكويت والسعي إلى محوها عن الخريطة بعد تشريد شعبها.
فات صدّام أنّ العالم تغيّر في العام 1990 وأنّه ليس مسموحاً له وضع اليد على دولة أخرى مسالمة مثل الكويت. بعد مغامرة الكويت، فُتح ملفّ صدّام وملف الجرائم التي أرتكبها منذ اليوم الأوّل لوصوله إلى موقع الرئاسة صيف العام 1979. ولكن لماذا دانته في قضيّة الدجيل، القرية الشيعيّة التي تعرّض فيها لمحاولة اغتيال في أثناء زيارته لها؟ لا بدّ من ملاحظة أنّ صدّام أنتقم بعد المحاولة من سكّان الدجيل ضمن حدود معيّنة على العكس مما فعله في مناطق أخرى. يكفي لتأكيد ذلك ما فعله فور تسلّمه الرئاسة في حقّ رفاقه البعثيين. يمكن أن يكون ما أرتكبه الرئيس المخلوع في الدجيل موضع أخذ وردّ إذا أخذنا في الاعتبار أنّ المحاولة تدرج في سياق الحرب مع إيران، ولذلك يبدو مستغرباً أن يأتي تركيز السلطات العراقية الجديدة على قضية الدجيل وليس على غيرها من القضايا التي تعتبر أخطر منها بما لا يقاس، بما في ذلك مسؤولية صدّام عن جرّ بلده إلى حرب مع إيران استنزفت قدرات البلدين ومعها قدرات الدول الخليجية الأخرى التي عانت الأمرّين من الحرب ونتائجها المدمّرة. هل يمكن المرور مرور الكرام على الحرب مع إيران نظراً إلى أن صدّام كان مدعوماً أميركياً وغربياً وعربياً وقتذاك؟
يطرح صدور حكم بالاعدام على صدام وكل من أخيه غير الشقيق برزان التكريتي وعوّاد البندر رئيس المحكمة التي مثل أمامها المتهمون في قضية الدجيل سلسلة من الأسئلة. في مقدّم الأسئلة هل للحكم علاقة بالعداء ذي الطابع الشخصي بين صدّام وبرزان من جهة وحزب الدعوة الإسلامية الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء نوري المالكي وسلفه إبراهيم الجعفري من جهة أخرى؟ مثل هذا الاحتمال وارد نظراً إلى أن ليس في الإمكان إصدار حكم بإعدام برزان مدير المخابرات حتى أواخر العام 1983 من دون محاكمته في قضيّة الدجيل. فبعد انتهاء العام 1983، لم يعد لبرزان أي نفوذ يذكر، بل كان على خلاف عميق مع أخيه. ولكن يبدو أن لحزب الدعوة حساباً قديماً مع صدّام وبرزان يصر على تصفيته معهما بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
ثمّة سؤال آخر يمكن طرحه هو لماذا الدعم الأميركي لحكم الاعدام في هذا الوقت بالذات؟ وهل مصادفة أن تكون الإدارة الأميركية التقت مع طهران عند الترحيب بالحكم؟ هل تريد واشنطن تذكير الإيرانيين بأن عليهم رد الجميل كونها تكفّلت بتخليصهم من عدوهم التاريخي وأن في أساس الانتصار الإيراني الكبير في العراق الحملة العسكرية الأميركية التي أسقطت نظام صدّام حسين وأوقعت الإدارة الجمهورية في واشنطن في مأزق يبدو أنها غير قادرة على الخروج منه ؟
في كلّ الأحوال، صدّام لا يستحق الاعدام في ضوء الجرائم التي ارتكبها طوال فترة حكمه فحسب، بل لأنّه لم يفوت أيضاً أيّ فرصة في مجال ارتكاب الاخطاء. أعتقد مثلاً أنّ في استطاعته الاتكال على الاتحاد السوفياتي في العام 1990 في وقت كانت الحرب الباردة انتهت وفي وقت كان ميخائيل غورباتشوف يمضي آخر أيّامه في الكرملين. كذلك أعتقد أنّ في استطاعته جرّ إيران إلى دعمه بمجرّد أنه دخل حرباً مع "الشيطان الأكبر" الأميركي بسبب الكويت. وكان رد الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني وقتذاك على رسالة نقلها إليه طارق عزيز: سنترك لكم وحدكم شرف مواجهة "الشيطان الأكبر" في الكويت!
يبقى أن المشكلة في العراق باتت تتجاوز شخص صدّام الذي يزيد الحكم الصادر في حقّه عن محكمة، لا علاقة لها سوى بتصفية الحسابات الشخصيّة أوّلاً، الشرخ بين السنّة العرب والشيعة في البلد. ربّما كان الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه من الحكم بالاعدام على الرئيس العراقي المخلوع أنّ التخلّص من صدّام لن يساهم سوى في إثارة الغرائز في بلد يعاني حربا أهليّة حقيقية. لم يفعل الأميركيون منذ دخول بغداد سوى إثارة الغرائز، أسوأ أنواع الغرائز وأكثرها بدائية! ما حصل يوم الأحد الماضي كان خطوة أخرى على هذا الطريق... طريق جعل الحرب الأهلية أكثر اتّساعاً والمأزق الأميركي أكثر عمقاً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00