8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بين الانتصار على لبنان والانتصار على إسرائيل..

لماذا التصعيد في لبنان؟ هل التصعيد من مصلحة اللبنانيين؟ هل يساهم في تحسين الوضع اللبناني في شيء أم أنه تعبير عن مأزق تعيشه أطراف ثلاثة هي النظام الإيراني والنظام السوري و"حزب الله" الذي أخذ لبنان واللبنانيين الى حرب ليست معروفة الى اللحظة مبرّراتها. حصل ذلك على الرغم من أن الطفل في السياسة يدرك سلفاً، خصوصاً في ضوء ما حصل في قطاع غزّة، طبيعة الرد الإسرائيلي على قتل ثمانية جنود إسرائيليين وخطف أثنين داخل "الخط الأزرق" في منطقة حدودية ليست موضع نزاع بين لبنان والدولة اليهودية.
لا تفسير منطقياً للتصعيد الذي لجأ إليه الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله في الحديث التلفزيوني الأخير الذي أدلى به الثلاثاء الماضي سوى الرغبة في تسجيل انتصار على الفرقاء اللبنانيين الآخرين يصبّ في مصلحة تكريس لبنان ملعباً تمارس فيه دمشق وطهران مناورات شبيهة بتلك التي تمارس حالياً في غير مكان من المنطقة. ولا بدّ في هذا المجال من تكرار أن الانتصار على لبنان ليس انتصاراً على إسرائيل. من السهل النزول الى الشارع وتعطيل الحياة في بيروت وغير بيروت، لكنّ الصعب هو البناء والمساهمة في تجاوز المحنة التي يمرّ فيها البلد بعيداً عن أي كلام عن انتصارات لا علاقة لها بالواقع اللهمّ إلاّ إذا كان تحويل لبنان ورقة ضغط سوريّة أو إيرانيّة يعتبر إنجازاً!
لا مصلحة للبنان واللبنانيين في التصعيد وتوجيه الإنذارات كما فعل الأمين العام لـ"حزب الله"، ذلك أن المنطق الوحيد الذي يفسّر مواقفه الأخيرة يندرج في سياق تحويل السلاح في اتجّاه الداخل من منطلق أنّه ورقة ضغط على لبنان واللبنانيين الذين عليهم الاعتراف بأنّهم رهائن هذا السلاح والتصرف انطلاقاً من ذلك، أي تحت الضغط. لو لم يكن الأمر كذلك، لكان "حزب الله" استجاب للدعوات الى تسليم سلاحه الى الجيش اللبناني أو للصيغ المطروحة الهادفة الى إيجاد صيغة تجعل مقاتليه جزءاً من قوات الشرعية اللبنانية على رأسها الجيش الذي كان ممنوعاً عليه التوجّه الى الجنوب في الماضي.
لم يفت الأوان بعد كي يظهر "حزب الله" أنّه حزب لبناني أوّلاً وأنّ مصلحة لبنان تهمّه وأنّه لا يسعى الى إظهار أن إيران على تماس مع إسرائيل في جنوب لبنان عبر صواريخه التي لم تكن في أي وقت قوة ردع بمقدار ما أنها سمحت للعدو الإسرائيلي بممارسة إرهاب الدولة. وتمثّل ذلك في تدمير آلاف البيوت وتشريد عشرات آلاف اللبنانيين فضلاً عن توجيه ضربة قاصمة الى الاقتصاد اللبناني. على العكس من ذلك، في استطاعة الحزب التعويض عن بعض الأضرار التي تسبب بها للبنان واللبنانيين عن طريق السعي الى إقناع المسؤولين في إيران بأن لبنان "الساحة" لا يفيدهم في شيء. على العكس من ذلك، ما يفيدهم هو استخدام لبنان لإظهار الوجه الحضاري لإيران في شكل دولة منفتحة على جيرانها وعلى أهل المنطقة أوّلاً وأنّها ليست دولة عدوانية تستغلّ أي فرصة تتاح لها بغية تأكيد نيّتها في الهيمنة. من يقول كلاماً مخالفاً يمكن إحالته على فضيحة الجزر الإماراتية الثلاث، أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، التي تحتلّها إيران منذ العام 1971، أيّ منذ أيام الشاه الراحل. ما الذي تغيّرمنذ تلك الأيام؟ الجواب أن لا تغيير في السياسة الإيرانية وأنّ الأطماع لا تزال هي إيّاها.
هل في استطاعة "حزب الله" الاقتناع بأنّ لا مصلحة له في أن يكون تابعاً لإيران وأنّ عليه وضع مصلحة لبنان فوق كلّ مصلحة؟ إنّها نقلة نوعية تمثّل التحدي الأكبر الذي يواجه الحزب. ولكن يبقى ما هو أهمّ من ذلك، أن يتمكنّ الحزب من إظهار أنّه يستطيع إفهام النظام السوري بأن عليه التخلّي عن حلم العودة الى لبنان عسكرياً وعن عقدة الانتقام من لبنان واللبنانيين. وبكلام أوضح، هل يستطيع الحزب وضع نفسه في خدمة لبنان بدل رفع الشعارات الكبيرة التي لم تجلب سوى الكوارث والمآسي على البلد، وإقناع القيّمين على النظام في سوريا أن تفجير الوضع في لبنان لا يفيدهم في شيء وأنّ لبنان المزدهر أفضل خدمة لسوريا والسوريين والعكس صحيح.
من حمى لبنان خلال العدوان الإسرائيلي كان حكومة لبنان. على "حزب الله" امتلاك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بذلك. إن كلّ النظريات التي بنى عليها الحزب سياساته، بما في ذلك الاحتفاظ بالسلاح على خلاف اللبنانيين الآخرين سقطت في الحرب الأخيرة. لم يردع السلاح الذي لدى الحزب إسرائيل التي تذرّعت بالصواريخ التي أطلقت عليها كي تضرب من دون رحمة ما تسبب في خسائر ضخمة كان لبنان في غنى عنها. مرّة أخرى، ثمة حاجة الى نقلة نوعية يقوم بها "حزب الله" تكون بديلاً من إدارة سلاحه في اتجّاه الداخل اللبناني. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه مجدّداً هل يمتلك الحزب حرّية قراره؟ وهل لديه غير الشعارات الكبيرة وتخوين الآخرين لتبرير غياب هذه القدرة؟ في كلّ الأحوال، إنّ وقفة شجاعة للحزب تشمل عملية نقد للذات في العمق ستوّفر الكثير على لبنان واللبنانيين وسوريا والسوريين وإيران والإيرانيين في مرحلة يمكن أن تكون حبلى بالمفاجآت على الصعيد الأقليمي. في البداية كما في النهاية، إن الانتصار على لبنان ليس بديلاً من الانتصار على إسرائيل!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00