يُعتبر الخطاب الذي ألقاه النائب اللبناني ميشال عون الأحد الماضي برنامجاً يطرح نفسه على أساسه رئيساً للجمهورية. نسي الأستاذ عون أمراً في غاية الأهمية يتمثّل في أنه يستحيل وصوله إلى سدّة رئاسة الجمهورية نظراً إلى عدم امتلاكه المؤهلات لمثل هذا الموقع الذي سبقه إليه اميل لحود. الأكيد ان ما لدى لحود ليس أفضل بكثير من عون لكنه امتلك على الأقل القدرة على التعاطي مع موازين القوى التي كانت سائدة في لبنان في مرحلة معينة وعرف كيف يوظفها في خدمة طموحاته الشخصية حتى لو كان ذلك على حساب لبنان واللبنانيين. وهذه الميزة المتمثّلة في استخدام كل شيء وعمل أي شيء للوصول إلى الرئاسة من الأمراض المشتركة التي تجمع بين اميل لحود وميشال عون. ربما كان الفارق الوحيد بين هذين الشخصين ان اميل لحود عرف مثلاً كيف يستغل هذه الموازين والمعطيات المتوافرة في مرحلة معينة، في مقدمها حقد النظام السوري ممثلاً ببشار الأسد الذي كان الحاكم الفعلي للبلد في السنوات الأخيرة من عهد والده، على الشهيد رفيق الحريري.
لا يزال اميل لحود في موقع الرئاسة على الرغم من انه أفرغه من مضمونه. يكفيه أنه لا يزال يمارس حقده على كل ما كان يمثله وما زال يمثله رفيق الحريري، وفي مقدم ذلك النجاح. النجاح في إعادة لبنان إلى خريطة المنطقة والعالم بعد إعادة بناء ما هدّمته الحرب بما في ذلك استعادة البلد لبنيته التحتية، أو على الأصح لجزء أساسي منها.
لم يكن خطاب ميشال عون الذي ألقاه قبالة عدد من يتامى الأجهزة السورية أو الانتهازيين الذين يصلحون لكل الأجهزة، سوى تعبير عن الافلاس الذي يعاني منه "الجنرال". ولعلّ أفضل دليل عن مدى عمق هذا الافلاس النصّ الذي ألقي بواسطة عون والذي يُظهر ان من يعتبر نفسه زعيماً وطنياً فذاً على علاقة بكل شيء باستثناء الواقع اللبناني. كيف يستطيع نائب لبناني، يدّعي انه يحترم نفسه، الشك في الصفة التمثيلية لمجلس النواب من جهة وعدم تقديم استقالته من جهة أخرى؟ كيف يمكن لنائب لبناني تقديم هذه القراءة المجتزأة للقرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؟ انه يأخذ من القرار ما يشاء ويرفض الاعتراف بأنه تضمّن بنوداً معينة كان على الحكومة اللبنانية قبولها من أجل التوصل إلى وقف للنار. وقد قبلت الحكومة القرار ككل، بما في ذلك البنود التي لا يشير إليها ميشال عون من قريب أو بعيد، بموافقة "حزب الله". وهذا يطرح في طبيعة الحال سؤالاً في غاية الأهمية هو الآتي: هل قرأ الأستاذ عون نص القرار؟ وفي حال قرأه، هل فهم النص وأبعاده وما يترتب عليه من تصرفات ومسؤوليات على الجانب اللبناني تحملها في حال كان يريد بالفعل حماية البلد والمحافظة على السلم الأهلي؟ ربما في الإمكان فهم ما تضمنه الخطاب الذي ألقاه "الجنرال" من زاوية انه لا يستوعب ما يقرأه لا أكثر ولا أقل.
لا يمكن إيجاد أي أعذار لميشال عون باستثناء عذر واحد. إنه أعمى يسيّره الحقد ولا شيء غير الحقد. وهذا الحقد يزداد يومياً عند "الجنرال" كونه اكتشف ان لا مجال لوصوله إلى الرئاسة في ظل الأكثرية الحقيقية في لبنان. ولذلك عليه المشاركة في انقلاب هدفه اطاحة الحكومة الحالية غير مدرك ان الحكومة هي خط الدفاع الأول والوحيد عن لبنان الحرّ والسيّد والمستقلّ الذي يرفض بقاء البلد "ساحة" للتجاذبات الاقليمية، "ساحة" يستخدمها المحور الايراني ـ السوري الذي تحوّل ميشال عون أداة من أدواته لابتزاز العالم خصوصاً الولايات المتحدة لعقد صفقات معها يدفع ثمنها لبنان واللبنانيون، تماماً كما حصل في الماضي.
لا يصلح الحقد لأن يكون سياسة. لقد أوصل الحقد اميل لحود إلى الرئاسة، فماذا كانت النتيجة؟ كل ما حصل ان لبنان دفع غالياً ثمن الحقد على النجاح والناجحين.. حقد النظام السوري أولاً الذي يعتقد ان لا مستقبل له في حال كان لبنان حراً مزدهراً. الآن تبدو ورقة اميل لحود وكأنها صارت شبه مستهلكة. لم يعد في الجانب المسيحي من يُستخدم في عملية استكمال دور اميل لحود سوى ميشال عون. هل يدرك "الجنرال" معنى الدور الذي يلعبه، أو على الأصح الذي رُسم له من خارج لبنان؟ هل يعي ما يفعله أو ما يُجرّ إليه؟ من الصعب الرهان على امكان استعادة "الجنرال" وعيه، نظراً إلى انه لم يمتلك يوماً حداً أدنى من الوعي. ولذلك يشكل ميشال عون في هذه المرحلة خطراً على السلم الأهلي في لبنان أكثر من أي وقت. انه يلعب الدور ذاته الذي لعبه عندما تمرّد على الشرعية وتحصّن في قصر بعبدا متسبباً بقتل الرئيس المنتخب الشهيد رينيه معوض بطريقة أو بأخرى. وكانت النتيجة إدخال السوريين إلى القصر الذي فرّ منه قائد "حرب التحرير" إلى منزل السفير الفرنسي. وقتذاك حرّر ميشال عون لبنان من اللبنانيين الذين هاجروا بالآلاف. اليوم، يبدو في ضوء التهديدات التي أطلقها انه على استعداد لإعادة الكرّة. ما هو الثمن الذي سيدفعه لبنان واللبنانيون هذه المرّة بعد الخطاب، الذي خرج به "الجنرال" في الذكرى السادسة عشرة لتسليمه قصر بعبدا ووزارة الدفاع للسوريين، وهو خطاب فارغ ليس إلا، ويمكن القول إنه في مستوى موضوع إنشاء لتلميذ في بداية دراسته الثانوية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.