8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بين مزايدات الماضي ومزايدات الحاضر

تفادياً لمزيد من إضاعة الوقت على الصعيد الفلسطيني، لا بدّ من تكرار، ولو للمرّة الالف بعد المليون أن لا فائدة من حكومة وحدة وطنية فلسطينية في غياب الاتفاق على برنامج سياسي واضح. مثل هذا البرنامج لا يمكن إلاّ أن يأخذ في الاعتبار ما وصلت إليه العملية السلمية في ضوء نصف قرن من النضال بدأ لدى إطلاق الرصاصة الاولى في بداية الشهر الاوّل من العام 1965 من القرن الماضي. هذا النضال المضني الذي كان ثمنه عشرات آلاف الشهداء، على رأسهم "أبو أيّاد" و"أبو جهاد" وعدد كبير من القادة الفلسطينيين، خاضته "فتح" تحت عنوان عريض هو القرار الفلسطيني المستقلّ. مثل هذا القرار هو الذي أتاح لياسر عرفات العودة الى أرض فلسطين والاستشهاد فيها محقّقاً حلم أن يكون أول زعيم في تاريخ الشعب الفلسطيني يستعيد أرضاً بعدما امتهن من سبقوه في قيادة الشعب الفلسطيني مهنة خسارة الارض وجعل القضية تضيع أكثر فأكثر عن طريق تحويل الشعب الفلسطيني وقوداً لمعارك لا علاقة له بها تجري على حسابه ويدفع ثمنها من لحم أبنائه.
هذا لا يعني بالطبع أن ياسر عرفات لم يرتكب أخطاء كبيرة، أكان ذلك في الاردن أو لبنان... أو في مرحلة ما بعد قمّة كامب ديفيد صيف العام 2000. ولنقل تحديداً أن ذلك لم يحصل في القمّة، بل بعدها عندما طرح الرئيس كلينتون مشروعه للسلام الذي يتضمّن الخطوط العريضة لتسوية يمكن وصفها بالمعقولة. لكنّ "أبو عمّار" رحل عن عالمنا من دون أن يجيب بوضوح على كلينتون وقد كلّفه ذلك تخلي الادارة الاميركية الجديدة برئاسة جورج بوش الابن عن مبادرة الرئيس الاميركي السابق والتصرّف على أساس أنّها لم تكن.
قبل ذلك، حصلت أخطاء في الاردن ولبنان. في الاردن استطاع الملك حسين، رحمه الله، القضاء على محاولة إقامة الوطن البديل تنفيذاً للطموحات الاسرائيلية. قطع الملك حسين الطريق على المؤامرة التي ارتضت المقاومة الفلسطينية أن تكون مجرّد أداة فيها عندما قضى الجيش العربي، أي الجيش الاردني، على تمرّد استهدف مؤسسات الدولة التي سعت الى الحؤول دون انتهاء القضية خارج أرض فلسطين. وإذا كان من كلمة تقال عن تلك المرحلة، لا بدّ من الاعتراف أن المسؤولية لم تكن تقع كلّها على ياسر عرفات أو على قادة "فتح"، بل كان هناك المزايدون من قادة المنظمّات اليسارية الفلسطينية التي حلت محلّها في أيامنا هذه المنظمات الاسلامية من نوع "حماس" ومن لف لفّها. هؤلاء المزايدون كانوا يطلقون وقتذاك شعارات لا تشبه سوى تلك التي يطلقها قادة "حماس" اليوم عن التحرير وإسقاط الانظمة العربية وتخوينها بما خدم في النهاية السياسة الاسرائيلية الهادفة الى تكريس الاحتلال.
وفي لبنان حيث ارتكبت المقاومة الفلسطينية كلّ الاخطاء التي يمكن ارتكابها، دفع أهل الجنوب ثمناً باهظاً لمغامرات كانوا في غنى عنها، حتى إنه بات في الامكان القول ما أشبه اليوم بالبارحة. شعارات تلي شعارات، بما فيها أن إرسال الجيش إلى الجنوب كان يعتبر "خيانة" إلى أن صار الان مطلباً وطنياً بعد صدور القرار الرقم 1701 عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة.
لو كان لدى رئيس الوزراء الفلسطيني السيّد اسماعيل هنيّة بعض المنطق، لكان توجب عليه الاستفادة من التجارب التي مرّ فيها الفلسطينيون في الاردن ولبنان وفي مرحلة ما بعد توقيع اتّفاق أوسلو في العام 1993 من القرن الماضي. هذا الاتّفاق الذي كان في أساس العملية الانتخابية التي مكّنت "حماس" من تشكيل حكومة فلسطينية يستطيع وزير الداخلية فيها تشكيل ميليشيا خاصة بوزارته. ومن المفارقات التي تضمنّها خطاب هنيّة الحماسي يوم الجمعة الماضي، اتّهامه الحكومات السابقة، أي حكومات "فتح" بالفساد، واعترافه بأنّ القوة الجديدة التابعة لوزارة الداخلية تضم خمسة آلاف وسبعمئة رجل! من يدفع رواتب هؤلاء وما هو المبرر لقوة جديدة تضاف ألى الالاف من رجال الشرطة والامن الذين يشكون من أنّهم لم يقبضوا رواتبهم منذ سبعة أشهر؟
بعض المنطق ضروري هذه الايام. لا حاجة الى مفاوضات من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية في غياب اتفاق على الاسس. في غياب مثل هذا الاتفاق، يبدو واضحاً أنّ "حماس" لم تتعلّم شيئاً من التجارب التي مرّت فيها القضية الفلسطينية أخيراً وهي على استعداد كامل للعب الدور الذي كانت تلعبه المنظمات اليسارية في أواخر الستّينات والسبعينات والثمانينات. الى أين قادت المزايدات اليسارية في تلك المرحلة؟ قادت الى حال من الشلل الفلسطيني لا أكثر ولا أقلّ. هل تطالب "حماس" حالياً بحكومة وحدة وطنية فلسطينية لتكريس الشلل... وتكريس فوضى السلاح بغطاء كامل من الحكومة الفلسطينية للاسف الشديد! منذ متى تطعم الشعارات شعباً؟ منذ متى صارت المزايدات سياسة؟ ربّما في الامكان الحديث عن سياسة اسمها المزايدات متى كان الامر متعلّقاً بالمتاجرة بالشعب الفلسطيني ومنعه من تحقيق أي تقدم على الصعيد السياسي وتوظيف نضالاته وتضحياته حيث لا يجب ألاّ توظّف... أي في خدمة هذا المحور الاقليمي أو ذاك، أي بما يصبّ في خدمة الاحتلال الاسرائيلي في نهاية المطاف.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00