8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بين الدفاع عن لبنان والمتاجرة به

يتلخّص ما حصل ويحصل في لبنان بأنّ هناك قوى سياسية خاضت الانتخابات النيابية الاخيرة واستطاعت الحصول على أكثرية في مجلس النوّاب انبثقت عنها حكومة برئاسة السيّد فؤاد السنيورة الذي لا يستطيع أحدّ الشك في وطنيته وعروبته. على العكس من ذلك، أن رئيس مجلس الوزراء اللبناني يعطي شهادات في الوطنية للمحتاجين، هوالذي لم يتردد لحظة في الدفاع عن كلّ ما له علاقة من بعيد أو قريب بعروبة لبنان واستقلاله وسيادته في إحدى أدقّ المراحل التي يمرّ بها البلد الصغير.
ثمة حاجة لبنانية في هذه المرحلة إلى الاستفادة من الموقع الذي تحتلّه الحكومة على الصعيدين العربي والدولي. هذه الحكومة التي استطاعت وقف العدوان الاسرائيلي على لبنان بفضل ما بذلته من جهود على كل الصعد وبفضل تماسك الجبهة الداخلية ووقوف اللبنانيين صفّاً واحداً خلفها في سعيها إلى إغلاق لبنان "الساحة" في وجه الذين يسعون إلى إبقاء البلد عرضة للاعتداءات الاسرائيلية ومتابعة المتاجرة به من أجل التوصّل إلى صفقة مع الادارة الاميركية على حسابه.
على من يحتاج إلى إنعاش لذاكرته، استعادة حقيقة تتمثّل في أنّ الحكومة استطاعت الخروج بنقاطها السبع التي وافق عليها "حزب الله" في حينه. وبعد ذلك، جعلت قرار مجلس الامن الرقم 1701 يأخذ هذه النقاط في الحسبان كما تمكّنت من الاستفادة من الدخول العربي على خط صياغة القرار بهدف تحسينه. تستحق الحكومة كلّ دعم بدل شنّ حرب فاشلة سلفاً عليها. الاكيد أن شخصاً مثل النائب الاستاذ ميشال عون لا يستطيع فهم ما فعلته الحكومة وما أنجزته في الظروف الصعبة التي مرّ ويمرّ فيها لبنان. في النهاية لا يمكن فهم ما ترتكبه تلك النكتة السمجة التي تسمّى "الجنرال" إلا في ضوء العقد النفسية التي يعاني منها الرجل الذي يعتبر نفسه سياسياً فذّاً. أبرز تلك العقد تبرز من خلال حديثه عن السفارات الاجنبية في لبنان ونفوذها، هو الذي يُعتبر السياسي أو شبه السياسي اللبناني الوحيد، وهو شبه سياسي على الارجح، الذي لجأ إلى سفارة أو منزل سفير أجنبي بدل خوض مواجهة شريفة مع الذين وقفوا معه واستشهدوا في مواجهة حلفائه الجدد أو القدامى، لا فارق. هرب عون إلى منزل السفير الفرنسي للاحتماء من القوات السورية التي تسبب في دخولها إلى قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية في الثالث عشر من تشرين الثاني 1990. ربّما على الاستاذ عون الان أن يشتم السفارة التي حمته لردّ الشبهة عنه، أو ربّما من زاوية أنه ينطبق عليه المثل الفرنسي القائل: هناك خدمات كبيرة إلى درجة لا يمكن الردّ عليها إلا بنكران الجميل.
يفترض في عون وغير عون فهم أنّه يكفي أن هذه الحكومة استطاعت إدخال الجيش إلى الجنوب ومكّنته من أن يكون على طول "الخط الازرق"، بعدما كان إرسال الجيش إلى موقعه الطبيعي، أي إلى حيث يجب أن يكون، يرقى إلى "الخيانة الوطنية" من وجهة نظر النظام السوري وأداته الصغيرة المتمثلة بالرئيس أميل لحّود الممددة ولايته قسراً عن طريق الترهيب الذي مارسه الرئيس بشّار الاسد شخصيّاً على الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
لم يكن النظام السوري وأدواته القديمة والمستحدثة وحده الذي يعترض على إرسال الجيش إلى الجنوب، أي إلى أرضه، كان هناك دائماً "حزب الله" الذي صار عون ذيلاً له ليس إلا. وربما كان أخطر ما في المشهد اللبناني حالياً ما لا يستطيع عون وأمثاله رؤيته وهو النتائج التي تترتب على قول السيّد حسن نصرالله الامين العام لـ "حزب الله" في خطابه الاخير أن سلاح الحزب مرتبط بقيام دولة "عادلة وقوية" في لبنان. ربما كانت هذه الدولة دولة نصرالله ودولة "حزب الله" المطلوب إقامتها والتي من دون قيامها لا مجال لتخلي الحزب الايراني عن سلاحه. ما الذي يريده "حزب الله" بعد فقدانه ورقة الجنوب في ضوء الحرب التي تسبّب بها والتي يرفض الاعتراف بأنّها لم تنته لمصلحته ولا لمصلحة لبنان الذي كان الخاسر الاوّل من المواجهة غير المتكافئة مع العدوّ الاسرائيلي؟
من الواضح أن سلاح "حزب الله" صار جزءاً لا يتجزأ من المعادلة الداخلية اللبنانية. هل من خدمة أكبر من هذه الخدمة تقدّم لاسرائيل؟ هل يعي "حزب الله" معنى جعل سلاحه في خدمة مشروع إسقاط الحكومة اللبنانية خدمة للمحور الايراني ـ السوري الذي يبدو على استعداد لمواجهة إسرائيل حتى آخر لبناني وحتى آخر حجر في آخر قرية لبنانية؟ ربما كان الحزب يعي جيّداً ما الذي يفعله، نظراً إلى أن ولاءه معروف وواضح وقد أظهر أن همّه ليس لبنان وشعب لبنان بمقدار ما أن لديه أجندة مفروضة عليه يتوجّب تنفيذها. من لا يعي خطورة أن يوظف "حزب الله"، وهو الطرف الوحيد المسلح في لبنان، خارج إطار الشرعية اللبنانية، سلاحه في وجه الحكومة اللبنانية، حكومة فؤاد السنيورة، لا يعي أن المطلوب أخذ لبنان إلى حيث يجب ألاّ يؤخذ أي إلى حمل آخرين على اللجوء إلى السلاح. من حسن الحظ أن الحكومة تعي هذه الوقائع وتعي المخاطر التي تواجه لبنان. ولعلّ أكثر ما تعيه الحكومة، حكومة فؤاد السنيورة المدعومة من "تيار المستقبل" ومن سعد الحريري ومن كل لبناني شريف، أنها تمثل الحصن الاخير المدافع عن لبنان العربي الحرّ المستقل... وليس عن الذين لا همّ لهم سوى المتاجرة بلبنان! في آخر المطاف، ثمة فارق بين الدفاع عن لبنان والمتاجرة به...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00