8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

صدّام يستحق المحاكمة.. ولكن من يحاكم الذين خلفوه؟

تعطي المحاكمة التي يخضع لها الرئيس العراقي المخلوع صدّام حسين فكرة عن الوضع العراقي برمته. تحوّلت المحاكمة ـ المهزلة ألى مرآة للمأساة التي يعيشها العراق والعراقيّون منذ فترة طويلة. مأساة تُوّجت بالاحتلال الأميركي للبلد، وهو احتلال يتبيّن كلّ يوم أنّه أدى ألى تفكيك العراق في غياب القدرة على أعادة تركيبه.
قبل كلّ شيء، لا بدّ من التساؤل: لماذا صار في الأمكان محاكمة صدّام حسين؟ الجواب أنّه يحاكم لأنّ الأميركيين قرروا محاكمته لا أكثر ولا أقلّ وقد أسقطوا نظامه بعد شن حملة عسكرية أنتهت بالقبض عليه من جهة ووضع جزء أساسي من العراق، خصوصاً الجنوب الغنيّ بالنفط تحت النفوذ الإيراني من جهة أخرى. إذا وضعنا جانباً العملية العسكرية الأميركية التي أتت بصدّام إلى المحكمة، يمكن القول إنّ هناك أسباباً حقيقية تدعو إلى محاكمته في ضوء الجرائم التي أرتكبها منذ ما قبل تفرّده بالسلطة في تمّوز من العام 1979. وتشمل هذه الجرائم المجازر وعمليات القتل ذات الطابع الفردي التي أرتكبت في عهده حتى قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية عندما كان الرجل القوي في النظام. وتلا ذلك، لدى وصوله إلى الرئاسة التخلّص من رفاقه البعثيين، ثمّ جرّ بلاده إلى حرب مع إيران وارتكابه بعدها جريمة احتلال الكويت. تلك المحاولة التي ليست سوى جريمة تستهدف إلغاء بلد عربي من الوجود لمجرّد أنه بلد صغير مسالم يتمتع أهله بالثروات التي حبا بها الله سبحانه وتعالى بلدهم.
ربّما تكمن المفارقة في أن صدام لم يكن مجرماً، أقلّه من وجهة النظر الأميركية، قبل احتلاله الكويت! والدليل على ذلك أنّه لم يحاكم حتى الآن سوى في قضيّتين سكت عنهما الأميركيون والعالم لدى حصولهما. القضيّة الأولى قضية الدجيل حيث يتهم صدّام مع مسؤولين عراقيين آخرين بقتل مواطنين أثر محاولة اغتيال تعرّض لها الرئيس العراقي في قرية شيعية في السنوات الأولى من الحرب مع إيران التي استمرّت بين 1980 و1988 . نُشرت وقتذاك معلومات عما حصل في الدجيل. لكنّ العالم لم يتحرّك. كان صدّام مرَضياً عنه. كان يقاتل النظام الجديد في إيران متمتّعاً بغِطاء عربي شبه كامل، فيما العالم ومعه إسرائيل ينظران بعين الرضا إلى حرب طويلة تستهلك الجيش العراقي وتنهك إيران ـ الخميني في الوقت ذاته، علماً بأنّ الحرب صبّت في النهاية في مصلحة النظام الإيراني الجديد بإيقاظها الروح الوطنية لدى الإيرانيين. تذكر هؤلاء مع بدء الحرب ودخول القوات العراقية الأراضي الإيرانية أن المواجهة صارت بين العرب والفرس، فانبروا للدفاع عن بلدهم بغض النظر عن الموقف من النظام المتخلّف الذي فرضه آية الله الخميني عليهم.
أما الجريمة الثانية والتي ذهب ضحيّتها أكراد هُجّروا من مناطقهم واستخدمت في عملية قمعهم أسلحة كيمياوية، فقد غض العالم، بما في ذلك الولايات المتّحدة، الطرف عنها في حينه واعتُبرت حادثاً عابراً لا حاجة إلى التركيز عليه ما دام صدّام يتصرّف بالطريقة التي عليه أن يتصرّف بها من وجهة النظر الأميركية.
إنّ الجريمتين التي يحاكم صدّام بسببهما حظيتا بتغطية أميركية لدى حصولهما، ولذلك من غير الإنصاف مثوله أمام محكمة ماكانت لتنعقد لولا الاحتلال الأميركي. ولذا من الأفضل توقف المهزلة التي جعلت مثول الرئيس العراقي المخلوع أمام قاض يجسّد التفاهة. نعم، كان يستحق صدّام أن يخلع ولكن ليس بالطريقة التي خُلع بها. وكان يستحق أن يحاكم ولكن ليس بالطريقة التي يحاكم بها والتي تحوّلت إدانة للمحكمة التي يمثل أمامها وللأميركيين الذين لولاهم لما كانت تلك المحكمة. يستحق صدّام أن يحاكم أوّلاً على غبائه وعدم قدرته على فهم المعادلات والتوازنات الإقليمية في أيّ وقت من الأوقات. يستحق صدّام المحاكمة وأقسى الأحكام لأنه أضاع العراق وشرّد العراقيين. ويستحق المحاكمة لأنّه لم يدرك في أي لحظة النتائج التي ستترتب على إرسال جيشه إلى الكويت.
بكلّ تأكيد يستحق صدّام المحاكمة، يكفي أنّه وضع الأسس للقضاء على نسيج المجتمع العراقي، يكفي أنه نقل بلده من حرب إلى أخرى، يكفي ما فعله بالشيعة والأكراد والسنّة العرب، يكفي أنه اجتاح الكويت وقضى على كلّ ما له علاقة بفكرة المنظومة الأمنية العربية... ولكن من سيحاكم الذين خلفوا صدّام والذين يتابعون ما بدأه على صعيد القضاء على العراق، على ما بقي من نسيج يجمع بين العراقيين اجتماعيّاً ويبقي البلد موحّدا بدل أن يكون تحت رحمة الميليشيات الطائفية والمذهبية؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00